ذَلِكَ كَانَ مِنْ فِعْلِ غَيْرِك بِك كَمَا قَالَ: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} [النساء الآية: ٧٩]. وَكَمَا قَالَ تَعَالَى {إنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} [التوبة الآية: ٥٠]، وَقَالَ تَعَالَى {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} [النساء الآية: ٧٨].
وَإِذَا قَالَ {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} [الأنعام الآية: ١٦٠]، كَانَتْ مِنْ فِعْلِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْجَائِي بِهَا فَهَذَا يَكُونُ فِيمَا فَعَلَهُ الْعَبْدُ لَا فِيمَا فُعِلَ بِهِ. وَسِيَاقُ الْآيَةِ يُبَيِّنُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ ذَكَرَ هَذَا فِي سِيَاقِ الْحَضِّ عَلَى الْجِهَادِ وَذَمِّ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْهُ فَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} [النساء الآية: ٧١ [{وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا} [النساء الآية: ٧٢ [{وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا} [النساء الآية: ٧٣]. فَأَمَرَ سُبْحَانَهُ بِالْجِهَادِ وَذَمَّ الْمُثَبِّطِينَ وَذَكَرَ مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنِينَ تَارَةً مِنْ الْمُصِيبَةِ فِيهِ وَتَارَةً مِنْ فَضْلِ اللَّهِ فِيهِ كَمَا أَصَابَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ مُصِيبَةٌ فَقَالَ: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران الآية: ١٦٥]. وَأَصَابَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَضْلٌ مِنْ اللَّهِ بِنَصْرِهِ لَهُمْ وَتَأْيِيدِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران الآية: ١٢٣]. ثُمَّ إنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء الآية: ٧٤]، {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِين مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ} [النساء الآية: ٧٥]، -إلَى قَوْلِهِ- {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} [النساء الآية: ٧٩]، فَهَذَا مِنْ كَلَامِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ إذَا أَصَابَهُمْ نَصْرٌ وَغَيْرُهُ مِنْ النِّعَمِ قَالُوا هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ أَصَابَهُمْ ذُلٌّ وَخَوْفٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَائِبِ قَالُوا: هَذَا مِنْ عِنْدِ مُحَمَّدٍ بِسَبَبِ الدِّينِ الَّذِي جَاءَ بِهِ فَإِنَّ الْكُفَّارَ يُضِيفُونَ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ الْمَصَائِبِ إلَى فِعْلِ أَهْلِ الْإِيمَانِ.
وَقَدْ ذَكَرَ نَظِيرَ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute