للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنوّع دلالاتها، كلّما ظهر من كمال الموصوف بها -وهو الله -عز وجل- ما هو أكثر وأعظم، وكلّما أُجمل في النفي، كان أدلّ على التنزيه من كل وجه، وأبلغ في تعظيم الموصوف، فإن تفصيلها لغير سبب يقتضيه فيه سخرية وتنقُّص للموصوف (١).

«فإنَّ السلب لا يُراد لذاته، وإنما يقصد لما يتضمنه من إثبات الكمال، فكل ما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم من صفات النقص-فإنه متضمن للمدح، والثناء على الله بضد ذلك النقص من الأوصاف الحميدة والأفعال الرشيدة» (٢).

ومقصود أهل السنة والجماعة بأن النفي يكون مجملاً: أن ينفى عن الله -عز وجل- كل ما يضاد كماله من أنواع العيوب والنقائص (٣)، وذلك بتسليط النفي على ما يُضاد الكمال من النقائص والعيوب في سياق عام مستغرق لأفراده بلا تعيين (٤).

ومرادهم من أن النفي يأتي مجملاً، والإثبات مفصلاً، إنما ذلك لو فيما قارنا جانب النفي مع جانب الإثبات، ولا يقال أبداً أن ما ذُكر من أمثلة قد تظهر أنها كثيرة، معارض لهذه القاعدة؛ فإن جانب الإثبات لا يمكن أن يحاط به بحال، وله -سبحانه وتعالى- من الكمالات التي يحمد عليها ما لم يطلِّع عليه أحد، وما لا يُطلَّع عليه إلا يوم القيامة، كما دل على ذلك الحديث المشهور بسيد الاستغفار، وفيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((مَا أَصَابَ عَبْداً قَطٌ هَمٌّ وَلَا غَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمِ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ


(١) انظر: تقريب التدمرية ص (١٨ - ١٩).
(٢) «شرح القصيدة النونية» للهراس (٢/ ٥٥).
(٣) انظر: شرح العقيدة الواسطية للهراس ص (٢٩).
(٤) انظر: القواعد الكلية ص (١٥٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>