وقال أبو الحسن الأشعري في كتاب "الإبانة" باب الرد على الزنادقة الجهمية، في نفيهم علم الله وقدرته، قال الله عزَّ وجلَّ:{أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ}، وقال سبحانه وتعالى:{وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إلا بِعِلْمِهِ} وقال سبحانه: {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} وذكر العلم في خمسة مواضع من كتابه، وقال سبحانه:{وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلا بِمَا شَاءَ} وذكر تعالى القوة، فقال:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} وقال: {ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} وقال سبحانه: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ}.
وزعمت الجهمية والقدرية أن الله لا علم له ولا قدرة ولا حياة ولا سمع ولا بصر، وأرادوا أن ينفوا أن الله عالم قادر حي سميع بصير، فمنعهم خوف السيف من إظهار نفي ذلك، فأتوا بمعناه لأنهم إذا قالوا: لا علم ولا قدرة لله، فقد قالوا: إنه ليس بعالم ولا قادر، ووجب ذلك عليهم.
قال: وهذا إنما أخذوه عن أهل الزندقة والتعطيل، لأنَّ الزنادقة قال كثير منهم: ليس بعالم ولا قادر ولا حي ولا سميع ولا بصير، فلم تقدر المعتزلة أن تفصح بذلك، فاتت بمعناه، وقالت: إن الله عز وجل عالم قادر حي سميع بصير من طريق التّسمية، من غير أن تثبت له علمًا أو قدرة أو سمعًا أو بصرًا.
وكذلك قال في كتاب "المقالات": الحمد لله الذي بصرنا خطأ المخطئين، وعمى العمين، وحيرة المتحيرين، الذين نفوا صفات رب العالمين، وقالوا: إن الله -جل ثناؤه وتقدست أسماؤه-لا صفات له، وإنه لا علم له، ولا قدرة له، ولا حياة له، ولا سمع له، ولا بصر له، ولا عزة له، ولا جلال له، ولا عظمة له، ولا كبرياء له، وكذلك قالوا في سائر صفات الله تعالى التي وصف بها نفسه.
"قال": وهذا قول أخذوه عن إخوانهم من المتفلسفة، الذين يزعمون أن للعالم