للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الجزء الثاني من الإنسان فهو (الروح)؛ فقد قال جل وعلا: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [الحجر: ٢٩]، وهذه الروح نحن لا نعلم طبيعتها ولا حقيقتها، قال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: ٨٥]، ولكن الروح لها غذاء كغذاء البدن، وحياة كحياة البدن، ولكن غذاء الروح هو العلم النافع والعمل الصالح، وإذا لم تتناول الروح هذا الغذاء فإنها سوف تمرض أو تموت، كما أن الجسد إذا لم يتناول غذاءه سيمرض أو يموت.

قال ابن القيم رحمه الله: «ومدار الصحة على حفظ القوة، والحمية عن المؤذي، واستفراغ المواد الفاسدة … فالقلب محتاج إلى ما يحفظ عليه قوته، وهو الإيمان وأوراد الطاعات، وإلى حمية عن المؤذي الضار، وذلك باجتناب الآثام والمعاصي، وأنواع المخالفات، وإلى استفراغه من كل مادة فاسدة تعرض له، وذلك بالتوبة النصوح» (١).

وحياة القلب والروح وغذاؤهما إنما يكون بما أنزله الله تعالى من دينه وشرعه.

وهذه الروح قد تكلم العلماء في بعض ما يتعلق بها كالعقل، وهل هو هذه المضغة التي تسمى بالقلب والتي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله» (٢)، أم هي ما يدور في الدماغ من الأفكار والإرادات ونحوها، أم هو مجموع الأمرين؟

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " لفظ القلب قد يُرَادُ به:

ا-المضغة الصنوبرية الشكل التي في الجانب الأيسر من البدن، التي جوفها علقة سوداء، كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت


(١) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لابن القيم (١/ ١٦).
(٢) أخرجه البخاري (١/ ٢٠ رقم ٥٢) ومسلم (٣/ ١٢١٩ رقم ١٥٩٩) عن النعمان بن بشير رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>