للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأبعدهم عن الحق والهدى من عكس هذا السير وسلك ضد هذه الطريق فألغى الخصائص الفارقة وأخذ القدر المشترك وحكم به على القدر الفارق.

وأضل منه من أخذ خصائص كل من النوعين فأعطاها للنوع الآخر.

فهذان طريقا أهل الضلالة اللتان يرجع إليهما جميع شعب ضلالهم وباطلهم.

مثال ذلك: أن أعداء الرسل المكذبين لهم الجاحدين لما جاءوا به من الحق لما أرادوا تلبيس الحق الذي جاءوا به بالباطل أخذوا بينه وبين الباطل قدرا مشتركا ثم ألغوا القدر الفارق وما اختص به أحد النوعين فقالوا هذا الرسول شاعر وكاهن ومجنون وطالب ملك ورياسة وصيت في العالم؛ فأخذوا قدرا مشتركا بين الشعر وبين كلامه الذي جاء به من الترغيب والترهيب وحسن التعبير عن المعاني باللفظ الذي يروق المسامع ويهز القلوب ويحرك النفوس.

فقالوا: هو شاعر وهذا شعر وضربوا عن الخصائص الفارقة صفحا.

وقالوا: هو كاهن لأن الكاهن كان عندهم معروفا بالإخبار عن الأمور الغائبة التي لا يخبر بها غيره وكذلك هذا المدعي لذلك مثله.

وقالوا: مجنون لأن المجنون يقول ويفعل خلاف ما اعتاده الناس.

وقالوا: ساحر لأن الساحر يأخذ بالقلوب والعيون ويحبب تارة وينفر أخرى؛ ولهذا قال لهم الوليد بن المغيرة وقد سألوه ماذا يقولون للناس في أمر محمد، ففكر وقدر ورأى أن أقرب ما يقولون هو ساحر لأنه يفرق بين المرء وزوجه، ومحمد يفعل ذلك فإن المرأة إذا أسلمت دون زوجها أو أسلم زوجها دونها وقعت الفرقة بينهما والعداوة.

وكذلك قولهم عن القرآن: أساطير الأولين أخذوا قدرا مشتركا بينهما وهو جنس الإخبار عما أخبر عنه الأولون.

<<  <  ج: ص:  >  >>