للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبلغه العقل، وما لم يصل إليه عقل الإنسان، إما معنىً من جهة قصور فهمنا أو حقيقة من جهة أن هذا الأمر غيبٌ من الغيوب.

فهذه النصوص نقابلها بالتسليم والتصديق، وإذا كان الأمر متعلقاً بالمعنى سألنا من كان فيها أفقه وأعلم وأعرف، فبالتالي سيبين لك ما هو المعنى المراد من هذا النص، وإن كان أمراً متعلقاً بالكيفية فليس لك إلا القبول والتسليم، فهذه النصوص التي ذكرها من نزول الله عز وجل وكذلك من قوله ((من آتاني يمشي أتيته هرولة)) ونحو ذلك فهذه النصوص بعضها متعلق بالكيف وبعضها متعلق بالمعنى.

فما كان متعلقاً بالكيف فليس لك إليه سبيل؛ لأنه محجوبٌ عنا، والله تعالى قد قال: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: ٣٦]، فليس لك أن تتخوض أو تخوض في شأن الكيف ولا سبيل لك إليها.

فلا سبيل لك إلى هذه الكيفيات، فمثلاً الروح بين جنبيك وأقرب شيء إليك ومع ذلك لا سبيل إلى معرفة كنهها وكيفيتها مع أنها مخلوقة وبين جنبي الإنسان، فإذاً علينا التسليم والتصديق والتفويض، فالتفويض هنا متعلقٌ بالكيف.

قال العلامة ابن خلدون: «واتبعْ ما أمرك الشارع به في اعتقادك وعملك، فهو أحرص على سعادتك، وأعلم بما ينفعك، لأنه من طور فوق إدراكك، ومن نطاق أوسع من نطاق عقلك، وليس ذلك بقادح في العقل ومداركه، بل العقل ميزان صحيح، وأحكامه يقينية لا كذب فيها، غير أنك لا تطمع أن تزن به أمور التوحيد، والآخرة، وحقيقة النبوة، وحقائق الصفات الإلهية، وكل ما وراء طوره، فإن ذلك طمع في محال، ومثال ذلك رجلٌ رأى الميزان الذي يوزن به الذهب فطمع أن يزن به الجبال، وهذا لا على أن الميزان في أحكامه غير صادق، لكن للعقل حد يقف عنده

<<  <  ج: ص:  >  >>