فإن اقتصرتم على نفي الاثبات شبهتموه بالمعدوم، وإن نفيتم الاثبات والنفي جميعًا فقلتم: ليس بموجود ولا معدوم شبهتموه بالممتنع، فأنتم فررتم من تشبيهه الكامل، فشبهتموه بالحي الناقص، ثم شبهتموه بالمعدوم، ثم شبهتموه بالممتنع، فكنتم شرًا من المستجير من الرمضاء بالنار.
وهذا لازم لكل من نفى شيئًا مما وصف الله به نفسه، لا يفر من محذور إلا وقع فيما هو مثله أو شر منه مع تكذيبه بخبر الله وسلبه صفات كماله الثابتة له" (١).
المتن
قال المصنف رحمه الله تعالى: "فإن قلت: إنما يمتنع نفي النقيضين عما يكون قابلاً لهما، وهذان يتقابلان تقابل العدم والمَلَكَة، لا تقابل السلب والإيجاب، فإن الجدار لا يقال له: أعمى ولا بصير، ولا حي ولا ميت، إذ ليس بقابل لهما.
قيل لك:
أولاً: هذا لا يصح في الوجود والعدم، فإنهما متقابلان تقابل السلب والإيجاب، باتفاق العقلاء، فيلزم من رفع أحدهما ثبوت الآخر.
وأما ما ذكرته من الحياة والموت، والعلم والجهل، فهذا اصطلاح اصطلحت عليه المتفلسفة المشاءون، والاصطلاحات اللفظية ليست دليلا على نفي الحقائق العقلية، وقد قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ • أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} فسمى الجماد ميتًا، وهذا مشهور في لغة العرب وغيرهم".
(١) الرسالة الصفدية - قاعدة في تحقيق الرسالة وإبطال قول أهل الزيغ والضلالة ص ٦٩.