للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قاسم والله يعطي، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله، لا يَضُرهم مَنْ خالفهم، حتى يأتي أمر الله» (٢)، فالله قد أراد بطالب العلم الخير وأراده له.

ولينظر طالب العلم إلى حاله وحال عَوَامِّ الناس وجُهَّالهم؛ ليعلم أنه في منزلة رفيعة وشأن عظيم قد اختاره الله له ويَسَّره وهَيَّأه له، لذا يقول جل جلاله: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: ٦٨].

وهذا الشرف الذي جاءت به النصوص لا شك أنه عظيم، وفضل من الله جليل، حقه أن يُرعى، وأن يُحرص على نَيله وتحصيله، وقد قَسَّم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الناس إلى ثلاثة أصناف؛ فقال: «مَثَلُ ما بَعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا، فكان منها نقيَّة، قَبِلت الماء، فأنبتت الكلأ والعُشب الكثير، وكانت منها أجادب، أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس؛ فشَربوا وسَقُوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى، إنما هي قِيعان لا تُمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مَثَلُ مَنْ فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به فعَلِم وعَلَّم، ومَثَل مَنْ لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يَقبل هدى الله الذي أرسلت به» (١)؛ فقسم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- السامعين لهذا العلم والهدى إلى ثلاثة أصناف:

الأول: (الأرض الطيبة)، وهم مَنْ أعطاهم الله ذكاء وزكاء؛ فأعطاهم ذكاء استطاعوا به أن يحفظوا العلم وأن يحصلوه ويدركوا به مسائله. وأعطاهم زكاء حملهم على العمل بالعلم والدعوة إليه وتبليغه.

والثاني: (أجادب، أمسكت الماء)، وهم الذين أُوتوا ذكاء ولم يُؤتوا زكاء؛ فاستطاعوا بذكائهم أن يحفظوا العلم، وأن يدركوا مسائله، لكنهم لم يستفيدوا به في


(١) أخرجه البخاري (٧١) ومسلم (١٠٣٧) من حديث معاوية رضي الله عنه.
(٢) أخرجه البخاري (٧٩) ومسلم (٢٢٨٢) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>