للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باطل بالضرورة واتفاق العقلاء. فإن تقدير مؤثرات لا تتناهي: ليس فيها مؤثر بنفسه لا يقتضي وجود شاء منها، ولا وجود جميعها، ولا وجود اجتماعها، والمبدع للموجودات لابد أن يكون موجودًا بالضرورة.

فلو قدر أن هذا كامل فكماله ليس من نفسه بل من آخر، وهلم جرا، للزم ألا يكون لشاء من هذه الأمور كمال، ولو قدر أن الأول كامل لزم الجمع بين النقيضين، وإذا كان كماله بنفسه لا يتوقف على غيره، كان الكمال له واجبًا بنفسه، وامتنع تخلف شاء من الكمال الممكن عنه، بل ما جاز له من الكمال وجب له، كما أقر بذلك الجمهور من أهل الفقه والحديث، والتصوف والكلام والفلسفة وغيرهم، بل هذا ثابت في مفعولاته، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وكان ممتنعًا بنفسه أو ممتنعًا لغيره، فما ثم إلا موجود واجب إما بنفسه وإما بغيره، أو معدوم إما لنفسه وإما لغيره، والممكن أن حصل مقتضيه التام: وجب بغيره، وإلا كان ممتنعًا لغيره، والممكن بنفسه: إما واجب لغيره، وإما ممتنع لغيره.

وقد بين الله سبحانه أنه أحق بالكمال من غيره، وأن غيره لا يساويه في الكمال، في مثل قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [النحل: ١٧] وقد بين أن الخلق صفة كمال، وأن الذي يخلق أفضل من الذي لا يخلق، وأن من عَدَل هذا بهذا فقد ظلم.

وقال تعالى: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [النحل: ٧٥]، فبين أن كونه مملوكًا عاجزًا صفة نقص، وأن القدرة والملك والإحسان صفة كمال، وأنه ليس هذا مثل هذا، وهذا لله، وذاك لما يعبد من دونه.

وقال تعالى: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ

<<  <  ج: ص:  >  >>