عاد مرة أخرى لمناقشة منكري الصفات، فقال لهم: إن من أثبت شيئًا، ونفي شيئًا بالعقل، إذا ألزم فيما نفاه من الصفات التي جاء بها الكتاب والسنة نظير ما يلزمه فيما أثبته، وطولب بالفرق بين المحذور في هذا وهذا لم يجد بينهما فرقًا.
وأعطى شيخ الإسلام ابن تيمية مثالًا على ذلك التناقض فيما يقع بين طوائف أهل الكلام من جهة بين الباطنية من جهة ثانية فيقول أهل الكلام: "إن الخالق والمخلوق إذا سمي كل واحد منهما فاعلًا أو قادًرا أو غير ذلك فإنما لم يتماثلا في ذاتيهما، وإنما يكون التماثل في الذات إذا كان هذا جسما أو جوهرا والآخر كذلك، وهؤلاء يقولون كل من قال بأن الرب جسم كان مشبها ومن نفى ذلك لم يكن مشبها ولا ينفصلون بهذا الجواب؛ فإن منازعهم (من الباطنية) يقول: فإذا أثبتم الصفات أو الأسماء لزم أن يكون الموصوف المسمى جسما كما تقولون أنتم ذلك لمن أثبت ما نفيتموه وجعلتموه مجسمًا؛ ولا يمكنهم أن يذكروا فرقًا صحيحا وكل ما يقولونه يمكن المثبت أن يقول لهم مثله فيلزم بطلان هذا الفرق بين ما سموه تجسيما وما لم يسموه تجسيما فلزم إما إثبات الجميع وإما نفي الجميع.
ونفي الجميع ممتنع لأنه قد علم بالضرورة أن الموجود ينقسم إلى واجب قديم قيوم غني خالق وإلى ممكن محدث مدبر فقير مخلوق فلا سبيل إلى جعل الوجود كله واحدا واجبا كما يقوله أهل الوحدة ولا إلى جعله كله مخلوقا مربوبا محدثا كما يذكر عن بعضهم أنه ادعى حدوث الوجود كله بدون محدث فإن فساد كل من القولين من أبين العلوم الضرورية البديهية ولهذا كان أهل الوحدة متناقضين لا يلتزمون قولهم وأما حدوث الوجود جميعه بدون محدث فلا تعرف طائفة قالته وإنما يقدر تقديرا ذهنيا كما تقدر كثير من الأقوال السوفسطائية لتبيين بطلانها