للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فما ذكره الله في الجنة من أنواع المطاعم، والمشارب، والمناكح، والملابس، والمساكن، يشبه ما في الدنيا من هذه الأنواع في الاسم، وفي المعنى العام، وهذا التوافق في الاسم وفي الحقيقة من حيث العموم لم يوجب أن تكون حقائق الآخرة مثل حقائق الدنيا من كل وجه، بل بينهما بون شاسع وفرق بعيد، وقول ابن عباس: "ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء" (١) معناه أن التفاوت بينهما كبير في اللذة والكمال والعظمة، حتى أنه لا يكاد التوافق يكون بينهما في الاسم لشدة التفاوت.

إذا تقرر هذا، فالرب تبارك وتعالى وإن كان متصفا بالصفات ومسمى بالأسماء، والمخلوق يسمى بتلك الأسماء ويوصف بتلك الصفات فهما متفقان في الاسم وفي المعنى العام، غير أن هذا الاتفاق ليس معناه أنهما متماثلان، بل بينهما تفاوت عظيم وفرق كبير.

الأمر الثاني: أن الإنسان يعتبر بما عرفه على ما لم يعرفه.

قال ابن القيم: "الإنسان يعتبر بما عرفه على ما لم يعرفه، ولولا ذلك لانسدت عليه طرق المعارف للأمور الغائبة، فإن الإنسان يعلم أنه حي عليم قدير سميع بصير متكلم فيتوصل بذلك إلى أن يفهم ما أخبر الله به عن نفسه من أنه حي عليم قدير سميع بصير، فإنه لولا تصوره لهذه المعاني من نفسه ونظره إليها لم يمكن أن يفهم ما غاب عنه، كما أنه لولا تصوره لما في الدنيا من العسل واللبن والماء والخمر والحرير والذهب والفضة لما أمكنه أن يتصور ما أخبر به من ذلك من الغيب، لكن لا يلزم أن يكون الغيب مثل الشهادة، فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: "ليس في الدنيا مما في الجنة إلا


(١) رواه أبو نُعَيْم في "صفة الجنة" (٢/ ٢١)، والبيهقي، والضياء المقدسي في "المختارة"، والسيوطي في الجامع الصغير:) ٧٦١٤).
وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (٤/ ٢٧٨): "بإسناد جيد"، وصحَّحه الألباني في الصحيحة (٢١٨٨)، وفي صحيح الترغيب (٣٧٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>