الثاني: فلسفة صوفية اتحادية كابن عربي وابن سبعين وابن الفارض.
فالفلاسفة دعواهم العريضة في هذا الباب هي قوله: إن ما ذكره الرسول -صلى الله عليه وسلم- إنما هو من باب الوهم والتخييل، وهم يقولون: ليس هناك أصلاً نبوَّة على الحقيقة، وأن النبوَّة على زعمهم إنما هي أمرٌ مكتسب كأي مهنة من المهن، وأن هذا النبي استطاع بقوة ذكائه أن يخيِّل للناس أن هناك رباًّ على الحقيقة، وأن نتجلى على الحقيقة، وأن هناك بعثاً وحشراً وإلى غير ذلك، وهذا كله عندهم من باب الوهم والخيال.
تحت هذا الزعم يقولون: إن هذه الأمور لا حقيقة لها، وأن هذا الرجل إنما هو مجرد مصلحٍ زعم بأنه بهذه الطريقة استطاع أن يصلح الناس، وعند بعضهم لا بأس بالإبقاء على ذلك لأن في ذلك مصلحة، فعقول عامة الناس لا تتسع لغير ذلك، وليس بمقدور كل أحدٍ أن يدرس الفلسفة التي هم عليها حتى يعرفوا الأمر على حقيقته.
وهذا مسلك الفلاسفة، ولذلك هم ينكرون كل غيب، فعندهم أن وجود الله -عز وجل- لا حقيقة له وإنما هو أمر مقدر في الخيال والذهن لا في الخارج، وأن الملائكة هي قوى الخير في النفس، والشياطين هي قوى الشر في النفس، وأن الجنة هي السعادة النفسية، وأن النار هي الشقاء النفسي، إلى غير ذلك من التأويلات التي قالوها تحت هذا الزعم، فهم ليسوا مع ذلك بحاجة إلى أن يؤوِّلوا على وجه التفصيل.
فهم يقولون: إن ما ذكره الرسول من أمر الإيمان بالله واليوم الآخر ليس لينتفع به خواص الناس وإنما هو فقط خطابٌ للعوام والجمهور من الناس، لا أنه بين به الحق، ولا هدى به الخلق، ولا أوضح به الحقائق، فإذاً طعنوا في علمه، وطعنوا في بيانه، وطعنوا حتى في قدرته على الحق عند بعضهم.
المتن
قال المصنف رحمه الله تعالى: "ثم إن كثيرًا منهم يجعلون الأمر والنهي من هذا