المنهج الثاني: ما يُسمى المنهج الفلسفي أو المنهج العقلي أو المنهج الكلامي، والمقصود به قول الفلاسفة أو قول أهل الكلام أو العقلانيين.
فهؤلاء قوم جاؤا إلى ميراث أولئك الملاحدة والفلاسفة وأخذوا به، وركبوا تلك القواعد المنطقية الفلسفية، وبعد ذلك جعلوا من هذه القواعد حقائق لا تقبل الشك أو الجدل وجعلوها أموراً غير قابلة للرد.
ولذلك على هذا الأساس أخذوا يطعنون الكتاب والسنة، فطعنوا في المتواتر، وطعنوا في الآحاد، أما المتواتر فقالوا إنه ظني، والدليل العقلي قطعي، أي تلك القواعد المنطقية الفلسفية التي ركبوها وكانت من صنعهم، هي في ظنهم واعتقادهم أنها قطعية ثابتة لا تقبل النزاع ولا الأخذ ولا الرد.
أما نصوص الكتاب والسنة، وإن كانت قد ثبتت بالتواتر، فإنها في اعتبارهم ظنية أي ظنية من جهة دلالتها وبذلك لا يمكن أن تعارض الأمور الظنية الأمور القطعية، والظنية في نظرهم المتواتر من نصوص الكتاب والسنة.
وإذا لم تكن النصوص متواترة وكانت أخبار آحاد فإن القاعدة عندهم تقول إن أخبار الآحاد لا تقبل في باب الاعتقاد بمعنى أنها مرفوضة تماماً ولا تقبل، وهذا الكلام يقرره هؤلاء في كتبهم، فكتبهم تنص على هذا فيما يسمونه قانون التأويل، فأخذوا يطعنون في نصوص الكتاب والسنة إن استطاعوا أن يطعنوا في ثبوتها طعنوا، وليتهم طعنوا في ثبوتها على قواعد المحدثين لكان الأمر على الرأس والعين، فإذا لم يثبت الحديث ولم تصح الرواية ولم يصل إلى درجة الصحة أو الحسن فلا بأس أن نردها، ولكن وإن جاء في البخاري ومسلم واتفقا عليهما فإنه عند هؤلاء لا يقبل في باب العقائد ـ على حد قولهم، وهذا المنهج العقلاني ليس مقتصراً على باب العقائد