للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن قيم الجوزية: "أصُول أهل السّنة الَّتِي تظاهرت عَلَيْهَا أَدِلَّة الْقُرْآن وَالسّنة والْآثَار وَالِاعْتِبَار وَالْعقل وَالْقَوْل أَنَّهَا ذَات قَائِمَة بِنَفسِهَا تصعد وتنزل وتتصل وتنفصل وَتخرج وَتذهب وتجيء وتتحرك وتسكن وعَلى هَذَا أَكثر من مائَة دَلِيل قد ذَكرنَاهَا فِي كتَابنَا الْكَبِير فِي معرفَة الرّوح وَالنَّفس وَبينا بطلَان مَا خَالف هَذَا القَوْل من وُجُوه كَثِيرَة وَإِنْ من قَالَ غَيره لم يعرف نَفسه.

وَقد وصفهَا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالدُّخُولِ وَالْخُرُوج وَالْقَبْض والتوفي وَالرُّجُوع وصعودها إِلَى السَّمَاء وَفتح أَبْوَابهَا لَهَا وغلقها عَنْهَا فَقَالَ تَعَالَى: {وَلَو ترى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَات الْمَوْت وَالْمَلَائِكَة باسطوا أَيْديهم أخرجُوا أَنفسكُم} [الأنعام الآية: ٩٣].

وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أيتها النَّفس المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك راضية مرضية فادخلي فِي عبَادي وادخلي جنتي} [الفجر الآيات: ٢٧ - ٢٨ - ٢٩ - ٣٠]. وَهَذَا يُقَال لَهَا عِنْد الْمُفَارقَة للجسد، وَقَالَ تَعَالَى: {وَنَفس وَمَا سواهَا فألهمها فجورها وتقواها} [الشمس الآيات: ٧ - ٨]. فَأخْبر أَنه سوى النَّفس كَمَا أخبر أَنه سوى الْبدن فِي قَوْله {الَّذِي خلقك فسواك فعدلك} [الانفطار الآية: ٧].

فَهُوَ سُبْحَانَهُ سوى نفس الْإِنْسَان كَمَا سوى بدنه بل سوى بدنه كالقالب لنَفسِهِ فتسوية الْبدن تَابع لتسوية النَّفس وَالْبدن مَوْضُوع لَهَا كالقالب لما هُوَ مَوْضُوع لَهُ.

وَمن هَا هُنَا يعلم أَنَّهَا تَأْخُذ من بدنهَا صُورَة تتَمَيَّز بهَا عَنْ غَيرهَا فَإِنَّهَا تتأثر وتنتقل عَنْ الْبدن كَمَا يتأثر الْبدن وينتقل عَنْهَا فيكتسب الْبدن الطّيب والخبث من طيب النَّفس وخبثها، وتكتسب النَّفس الطّيب والخبث من طيب الْبدن وخبثه فأشد الْأَشْيَاء ارتباطا وتناسبا وتفاعلا وتأثرا من أَحدهمَا بِالْآخرِ الرّوح وَالْبدن وَلِهَذَا يُقَال لَهَا عِنْد الْمُفَارقَة «اخْرُجِي أيتها النَّفس الطّيبَة كَانَتْ فِي الْجَسَد الطّيب النَّفس

<<  <  ج: ص:  >  >>