للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الخارجة فقولهم يمثل المعقول في صورة المحسوس كلام لا حقيقة له، لكن لو قال يمثل الغائب في صورة الشاهد ويمثل الغيب في صورة الشهادة كان هذا حقا، فإن الإنسان إنما يعلم ما يشهده ويحس به بالقياس والتمثيل لما شاهده، لكن هذا لا يقتضي أن تكون الأمور الغائبة المتمثلة ليست في أنفسها مما يحس بل يعقل عقلا مجردا فإن هذا لا يقوله من يفهم ما يقوله" (١)

وقال شيخ الإسلام معلقًا على ما حتج به الجهم بن صفوان على السمنية في أمر الروح (٢) فقال: "لكنه هنا ضل فظن أن االله لا يمكن إحساسه ولا رؤيته واحتاج


(١) بيان تلبيس الجهمية (١/ ٣٣).
(٢) حجة جهم أنه قال للسمنية: ألستم تزعمون أن في أجسادكم أرواحاً؟
قالوا: نعم.
قال: هل رأيتم أرواحكم؟
قالوا: لا.
قال: أفسمعتم كلامها؟
قالوا: لا.
قال: فوجدتم لها حساً؟
قالوا: لا.
قال جهم: فكذلك الله عز وجل، لا يرى في الدنيا ولا في الآخرة، وهو في كل مكان.
وفي رواية أخرى: لا يرى له وجه، ولا يسمع له صوت، ولا يشم له رائحة، وهو غائب عن الأبصار) ولا يكون في مكان دون مكان. انظر: الرد على الجهمية للإمام أحمد، (ص ١٠٢ ــ ١٠٤)، ورواه ابن بطة في الإبانة، كتاب الرد على الجهمية (٢/ ٨٧ - ٨٩)، مع اختلاف يسير في بعض ألفاظه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية حول هذه المناظرة: "فهذا الذي ذكره الإمام أحمد من مبدأ حال جهم إمام هؤلاء المتكلمين النفاة يبين ما ذكرته فإنه لما ناظر من ناظره من المشركين السمنية من الهند، وجحدوا الإله، لكون الجهم لم يدركهـ شيء من حواسه، لا ببصره، ولا بسمعه، ولا بشمه، ولا بذوقه، ولا بحسه، كان مضمون هذا الكلام أن كل ما لا يحسه الإنسان بحواسه الخمس، فإنه ينكره ولا يقر به، فأجابهم الجهم: أنه قد يكون في الموجود ما لا يمكن إحساسه بشيء من هذه الحواس، وهي الروح التي في العبد، وزعم أنها لا تختص بشيء من الأمكنة، وهذا الذي قاله هو قول الصابئة الفلاسفة المشائين". التسعينية (١/ ٢٤٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>