وينبغي أن يُعلم أن النفي ليس فيه مدح ولا كمال، إلا إذا تضمن إثباتًا، وإلا فمجرد النفي ليس فيه مدح ولا كمال، لأن النفي المحض عدم محض، والعدم المحض ليس بشيء، وما ليس بشيء هو كما قيل ليس بشيء، فضلاً عن أن يكون مدحًا أو كمالا. ولأن النفي المحض يوصف به المعدوم والممتنع، والمعدوم والممتنع لا يوصف بمدح ولا كمال.
فلهذا كان عامة ما وصف الله به نفسه من النفي متضمنًا لإثبات مدح كقوله:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} إلى قوله: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا}[البقرة: الآية: ٢٥٥] ..
فنفي السِنة والنوم يتضمن كمال الحياة والقيام، فهو مبيِّن لكمال أنه الحي القيوم.
وكذلك قوله:{وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} [البقرة الآية: ٢٥٥ [أي لا يكرثه ولا يثقله، وذلك مستلزم لكمال قدرته وتمامها. بخلاف المخلوق القادر إذا كان يقدر على الشيء بنوع كلفة ومشقة، فإن هذا نقص في قدرته، وعيب في قوته.
وكذلك قوله تعالى:{لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الأَرْضِ} [سبأ الآية: ٣ [فإنّ نَفْي العزوب مستلزم لعلمه بكل ذرة في السموات والأرض.
وكذلك قوله تعالى:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُّغُوبٍ}[ق: ٣٨]، فإنّ نَفْي مس اللغوب الذي هو التعب والإعياء دل على كمال القدرة، ونهاية القوة.
بخلاف المخلوق الذي يلحقه من النصب والكلال ما يلحقه.
وكذلك قوله:{لَا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}[الأنعام الآية: ١٠٣]، إنما نفى الإدراك الذي هو