للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إن النفي المجرد مع كونه لا مدح فيه-فيه إساءة أدب مع الله سبحانه؛ فإنك لو قلت لسلطان: أنت لستَ بزبَّال ولا كسَّاح ولا حَجَّام ولا حائك؛ لأَدَّبَك على هذا الوصف وإن كنت صادقًا.

وإنما تكون مادحًا إذا أجملت النفي؛ فقلت: أنت لستَ مثل أحد من رعيتك، أنت أعلى منهم وأشرف وأجَل، فإن أَجملت في النفي أجملت في الأدب (١).

فأهل الكلام المذموم يأتون بالنفي المفصل والإثبات المُجمل؛ فيقولون: ليس بجسم ولا شَبح ولا جثة ولا صورة ولا لحم ولا دم ولا شخص ولا جوهر ولا عَرَض .. إلى آخر تلك السُّلوب الكثيرة التي تَمُجُّها الأسماع، وتأنف مِنْ ذكرها النفوس، والتي تتنافى مع تقدير الله تعالى حقَّ قدره (٢).

وقول المصنف: "فلهذا كان عامة ما وصف الله به نفسه من النفي متضمنًا لإثبات مدح"

الرسل عليهم صلوات الله جاءوا بإثبات مُفَصَّل ونفي مجمل.

والمعطلة ناقضوهم؛ فجاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل.

فإنَّ الرسل أخبرت كما أخبر الله في كتابه الذي بعث به رسوله: أنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه حكيم عزيز، غفور ودود، وأنه خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش، وأنه كلم موسى تكليمًا، وتجلى للجبل فجعله دكًّا، وأنه أنزل على عبده الكتاب. إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته.


(١) «شرح العقيدة الطحاوية» (ص ١٠٨ - ١١٠).
(٢) «الصفات الإلهية» (ص ٢٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>