للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإحاطة، كما قاله أكثر العلماء. ولم ينف مجرد الرؤية، فالمراد بالآية ليس نفي الرؤية، وإنما المراد نفي الإدراك؛ لأنها سِيقت مساق المدح، ولو كان المراد نفي الرؤية لما كان في ذلك مدح؛ لأن المعدوم هو الذي لا يُرَى، والكمال في إثبات الرؤية هو نفي الإدراك؛ لأن النفي المحض لا يأتي في صفات الله، وإنما الذي يأتي هو النفي الذي يستلزم إثبات ضده من الكمال.

فالمعنى: أنه يُرى ولا يحاط به رؤيةً، فـ {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}؛ لكمال عظمته، كما أنه يُعلم ولا يُحاط به علمًا لكمال عظمته، و {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}؛ لكمال قوته واقتداره، وهكذا.

لأن المعدوم لا يُرى، وليس في كونه لا يُرى مدح، إذ لو كان كذلك لكان المعدوم ممدوحًا، وإنما المدح في كونه لا يُحاط به وإن رُئي، كما أنه لا يُحاط به وإن عُلم، فكما أنه إذا عُلم لا يحاط به علمًا، فكذلك إذا رُئي لا يحاط به رؤية.

فكان في نفي الإدراك من إثبات عظمته ما يكون مدحًا وصفة كمال، وكان ذلك دليلا على إثبات الرؤية لا على نفيها، لكنه دليل على إثبات الرؤية مع عدم الإحاطة، وهذا هو الحق الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، وإذا تأملت ذلك وجدت كل نفي لا يستلزم ثبوتًا هو مما لم يصف الله به نفسه، فالذين لا يصفونه إلا بالسلوب لم يثبتوا في الحقيقة إلهًا محمودًا، بل ولا موجودًا.

وقول المصنف: "وهذا هو الحق الذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها، وإذا تأملت ذلك وجدت كل نفي لا يستلزم ثبوتًا هو مما لم يصف الله به نفسه"

للتفريق بين الصفات السلبية التي ورد بها النص والصفات السلبية التي أحدثها المعطلة النفاة-نقول: إن الصفات السلبية التي ورد بها النص متضمنة لثبوت كمال الضد كما تقدم شرح ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>