وهذا القول هو ما يذهب إليه النظار والمتكلمون من هؤلاء المعطلة (١)، الذين يقولون إن الله لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا هو مباين له ولا محايث له.
وهم بقولهم هذا قد نفوا الوصفين المتقابلين اللذين لا يخلو موجود منهما، وذلك خشية منهم أن يشبهوا، فهم قالوا بهذه المقالة هرباً منهم-على حد زعمهم-من إثبات الجهة والمكان والحيز، لأن فيها كما يدعون تجسيماً وهو تشبيه، فقالوا: يلزمنا في الوجود ما يلزم مثبتي الصفات فنحن نسد الباب بالكلية.
وقول المصنف:"ولهذا قال محمود بن سُبكتكين لمن ادّعى ذلك في الخالق: ميِّز لنا بين هذا الرب الذي تثبته وبين المعدوم.
ومعنى كلامه رحمه الله: أنه لا فرق بين الإله الذي تُثبته وبين العدم؛ لأنك تثبت إلهًا لا يسمع، ولا يبصر، ولا يتكلم، ولا يقدر، ولا يريد، ولا …
فما الفرق بين هذا الإله وبين العدم؟!
وقول المصنف: "وكذلك كونه لا يتكلم، أو لا ينزل، ليس في ذلك صفة مدح ولا كمال، بل هذه الصفات فيها تشبيه له بالمنقوصات أو المعدومات، فهذه الصفات منها ما لا يتصف به إلا المعدوم، ومنها ما لا يتصف به إلا الجماد أو الناقص".
فهؤلاء المعطلة جاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل، فقالوا في النفي: ليس بكذا ولا كذا، فلا يَقرب من شيء ولا يَقرب منه شيء، ولا يُرى في الدنيا ولا في الآخرة، ولا له كلام يقوم به، ولا له حياة، ولا علم، ولا قدرة، ولا غير ذلك، ولا يُشار إليه
(١) الرسالة الأضحوية (نقلا عن مختصر الصواعق ١/ ٢٣٧)، والاقتصاد في الاعتقاد (ص ٣٤)، تأويل مشكل الحديث (ص ٦٣ - ٦٤)، مجموع الفتاوى (٢/ ٢٩٧ - ٢٩٨، ٥/ ١٢٢ - ١٢٤)، نقض التأسيس (١/ ٦ - ٧).