للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي أنهم بفهمهم الفاسد يردون معاني النصوص الشرعية الدالة على إثبات صفة الكمال لله عز وجل، لاعتقادهم ببطلان تلك الصفات، فلا يثبتون لله صفات أو لا يثبتون له بعض صفاته. فهؤلاء يرون إن الظاهر غير مراد: أي أن المعنى غير مراد، وأن هناك معنى لا نَعلمه.

أن لفظ (الظاهر) أصبح لفظاً مشتركاً فتارة يراد به معنى صحيحاً، وتارة يراد به خلاف ذلك فلا بد من التفصيل.

وفي هذا يقول ابن تيمية رداً على من يقول: "مَذْهَبُ السَّلَفِ أَنَّ الظَّاهِرَ غَيْرُ مُرَادٍ، وَيَقُولُ: أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ غَيْرُ مُرَادٍ.

وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ خَطَأٌ:

إمَّا لَفْظًا وَمَعْنًى.

أَوْ لَفْظًا لَا مَعْنًى.

لفظ (الظَّاهِرَ) قَدْ صَارَ مُشْتَرِكًا بَيْنَ شَيْئَيْنِ:

المعنى الأول: أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْيَدَ جَارِحَةٌ مِثْلُ جَوَارِحِ الْعِبَادِ، وَظَاهِرُ الْغَضَبِ غَلَيَانُ الْقَلْبِ لِطَلَبِ الِانْتِقَامِ، وَظَاهِرُ كَوْنِهِ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الْمَاءِ فِي الظَّرْفِ.

فَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ قَالَ: إنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ وَشِبْهَهَا مِنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَنُعُوتِ الْمُحَدِّثِينَ غَيْرُ مُرَادٍ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ فَقَدْ صَدَقَ وَأَحْسَنَ؛ إذْ لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ السُّنَّةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ لَا فِي ذَاتِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ وَلَا فِي أَفْعَالِهِ؛ بَلْ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ يُكَفِّرُونَ الْمُشَبِّهَةَ وَالْمُجَسِّمَةَ.

لَكِنَّ هَذَا الْقَائِلَ أَخْطَأَ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ؛ وَحَيْثُ حُكِيَ عَنْ السَّلَفِ مَا لَمْ يَقُولُوهُ؛ فَإِنَّ "ظَاهِرَ الْكَلَامِ" هُوَ مَا يَسْبِقُ إلَى الْعَقْلِ السَّلِيمِ مِنْهُ لِمَنْ يَفْهَمُ بِتِلْكَ اللُّغَةِ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ ظُهُورُهُ بِمُجَرَّدِ الْوَضْعِ وَقَدْ يَكُونُ بِسِيَاقِ الْكَلَامِ؛ وَلَيْسَتْ "هَذِهِ الْمَعَانِي" الْمُحْدَثَةَ الْمُسْتَحِيلَةَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى هِيَ السَّابِقَةَ إلَى عَقْلِ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ الْيَدُ عِنْدَهُمْ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالذَّاتِ فَكَمَا كَانَ عِلْمُنَا وَقُدْرَتُنَا وَحَيَاتُنَا وَكَلَامُنَا وَنَحْوُهَا مِنْ الصِّفَاتِ أَعْرَاضًا تَدُلُّ عَلَى حُدُوثَنَا يَمْتَنِعُ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>