للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّتِي لَا تُحْصَى بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ "لِمَا خَلَقْتُ أَنَا" لِأَنَّهُمْ إذَا أَرَادُوا ذَلِكَ أَضَافُوا الْفِعْلَ إلَى الْيَدِ فَتَكُونُ إضَافَتُهُ إلَى الْيَدِ إضَافَةً لَهُ إلَى الْفِعْلِ كَقَوْلِهِ: {بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} الحج الآية: ١٠]. {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} [الأنفال الآية: ٥١]، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} [يس. الآية: ٧١].

أَمَّا إذَا أَضَافَ الْفِعْلَ إلَى الْفَاعِلِ وَعَدَّى الْفِعْلَ إلَى الْيَدِ بِحَرْفِ الْبَاءِ كَقَوْلِهِ: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص الآية: ٧٥]، فَإِنَّهُ نَصٌّ فِي أَنَّهُ فَعَلَ الْفِعْلَ بِيَدَيْهِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِمَنْ تَكَلَّمَ أَوْ مَشَى: أَنْ يُقَالَ فَعَلْت هَذَا بِيَدَيْك وَيُقَالُ: هَذَا فَعَلَتْهُ يَدَاك لِأَنَّ مُجَرَّدَ قَوْلِهِ: فَعَلْت كَافٍ فِي الْإِضَافَةِ إلَى الْفَاعِلِ فَلَوْ لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ فَعَلَهُ بِالْيَدِ حَقِيقَةً كَانَ ذَلِكَ زِيَادَةً مَحْضَةً مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ وَلَسْت تَجِدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَلَا الْعَجَمِ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ فَصِيحًا يَقُولُ: فَعَلْت هَذَا بِيَدَيَّ أَوْ فُلَانٌ فَعَلَ هَذَا بِيَدَيْهِ إلَّا وَيَكُونُ فَعَلَهُ بِيَدَيْهِ حَقِيقَةً.

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَا يَدَ لَهُ أَوْ أَنْ يَكُونَ لَهُ يَدٌ وَالْفِعْلُ وَقَعَ بِغَيْرِهَا.

وَبِهَذَا الْفَرْقِ الْمُحَقَّقِ تَتَبَيَّنُ مَوَاضِعُ الْمَجَازِ وَمَوَاضِعُ الْحَقِيقَةِ؛ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْآيَاتِ لَا تَقْبَلُ الْمَجَازَ أَلْبَتَّةَ مِنْ جِهَةِ نَفْسِ اللُّغَةِ. قَالَ لِي: فَقَدْ "أَوْقَعُوا الِاثْنَيْنِ مَوْقِعَ الْوَاحِدِ فِي قَوْلِهِ: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} وَإِنَّمَا هُوَ خِطَابٌ لِلْوَاحِدِ.

قُلْت لَهُ: هَذَا مَمْنُوعٌ؛ بَلْ قَوْلُهُ: {أَلْقِيَا} قَدْ قِيلَ تَثْنِيَةُ الْفَاعِلِ لِتَثْنِيَةِ الْفِعْلِ وَالْمَعْنَى أَلْقِ أَلْقِ. وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ خِطَابٌ لِلسَّائِقِ وَالشَّهِيدِ. وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ خِطَابٌ لِلْوَاحِدِ قَالَ: إنَّ الْإِنْسَانَ يَكُونُ مَعَهُ اثْنَانِ: أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ فَيَقُولُ: خَلِيلَيَّ خَلِيلَيَّ ثُمَّ إنَّهُ يُوقِعُ هَذَا الْخِطَابَ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مَوْجُودَيْنِ كَأَنَّهُ يُخَاطِبُ مَوْجُودَيْنِ؛ فَقَوْلُهُ: {أَلْقِيَا} عِنْدَ هَذَا الْقَائِلِ إنَّمَا هُوَ خِطَابٌ لِاثْنَيْنِ يُقَدَّرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>