الإثبات ويفصِّلون في النفي، زعماً منهم أن ذلك أعظم وأبلغ في التنزيه، وأحوط في تفادي تشبيه الله -عز وجل- بخلقه، وبتطبيقهم لطريقتهم هذه، حصل عكس مرادهم، فوقعوا في شر من الذي فروا منه، فأساءوا الأدب مع مليكهم، وجردوه من كماله الذي وصف به نفسه، فشبهوه بالناقصات من مخلوقاته، بل نفيهم لصفاته أوقعهم في تشبيهه بالمعدومات والممتنعات، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.
فالمعطِّلة النفاة إذا تكلموا في النفي، وصفوه -سبحانه وتعالى- بالسُّلوب على وجه التفصيل؛ فيقولون مثلاً: ليس بكذا، ولا بكذا … يقولون: ليس بجسم، ولا شبح، ولا جثة، ولا صورة، ولا لحم، ولا دم، ولا شخص، ولا جوهر، ولا عرض، ولا بذي لون، ولا طعم، ولا رائحة، ولا طول، ولا عرض، ولا عمق، ولا اجتماع، ولا افتراق، ولا يتبعض، ولا يتجزأ، ولا يقرُب من شيء، ولا يقرُب منه شيء، ولا يُرى في الدنيا ولا في الآخرة، ولا له كلام يقوم به يتعلق بمشيئته وقدرته، ولا له حياة، ولا علم، ولا قدرة، ونحو ذلك، ولا يُشار إليه، ولا هو مباين للعالم، ولا داخله، ولا خارجه … إلى أمثال هذه العبارات السلبية التي لا تنطبق إلا على المعدوم بل الممتنع.
وإذا أرادوا الإثبات: أثبتوا شيئاً مجملاً يجمعون فيه بين النقيضين، ويُقدرون وجوداً مطلقاً لا حقيقة له إلا في الأذهان، يمتنع تحققه في الأعيان، فبعضهم يصفونه بالسُّلوب والإضافات دون صفات الإثبات، وبعضهم يثبت له الأسماء دون ما تتضمنه من الصفات، وبعضهم يثبت له الأسماء وعدداً محدوداً من الصفات (١).
(١) انظر: مقالات الإسلاميين ص (١٥٥ - ١٥٦)، منهاج السنة النبوية (٢/ ١٨٧، ٥٦٢)، الصفدية (١/ ١١٦)، مجموع الفتاوى (٦/ ٦٦، ٥١٦، ١١/ ٤٨٣ - ٤٨٤، ٢٠/ ١١١ - ١١٢، ١٢٦)، درء تعارض العقل والنقل (٥/ ١٦٣)، النبوات (٢/ ٦٤٣)، الفتاوى الكبرى (٦/ ٣٣٧ - ٣٣٨)، اقتضاء الصراط المستقيم (٢/ ٨٦٣)، التدمرية ص (١٢ - ١٩)، التسعينية (١/ ١٧٢ - ١٧٤)، الكيلانية، ضمن مجموع الفتاوى (١٢/ ٤٣٢)، الحجج العقلية والنقلية فيما ينافي الإسلام من بدع الجهمية والصوفية، ضمن مجموع الفتاوى (٢/ ١٩٨)، الصواعق المرسلة (٣/ ١٠٠٩)، شرح العقيدة الطحاوية (١/ ٦٩ - ٧٠)، توضيح المقاصد (١/ ١٤٨، ٢/ ٤٣٦)، شرح القصيدة النونية (٢/ ٢٨٧ - ٢٨٨).