لا يمكن الاتصاف بها في الأزل، كما لا يمكن وجودها في الأزل، وعلى هذا فالخلو عنه في الأزل لا يكون خلواً عما يمكن الاتصاف به في الأزل.
ثم إنه لم يثبت امتناع ما ذكر من النقص بدليل عقلي ولا بنص من كتاب ولا سنة، بل بما ادعوه من إجماع، وإذاً فمعلوم أن المنازعين في اتصافه بذلك هم من أهل الإجماع فكيف يحتج بالإجماع في مسألة النزاع.
وقولهم بإجماع الأمة على أن صفاته صفات كمال، فإن قصد بذلك صفاته اللازمة لم يكن في هذا حجة لهم، وإن قصد بذلك ما يحدث بمشيئته وقدرته لم يكن هذا إجماعاً فإن أهل الكلام يقولون إن صفة الفعل ليست صفة كمال ولا نقص والله موصوف بها بعد أن لم يكن موصوفاً.
ثم إن هذا الإجماع الذي ادعوه حجة عليهم فإنا إذا عرضنا على العقول موجودين: أحدهما يمكنه أن يتكلم ويفعل بمشيئته كلاماً وفعلاً، والآخر لا يمكنه ذلك، بل لا يكون كلامه إلا غير مقدور ولا مراد أو يكون بائناً عنه، لكانت العقول تقضي بأن الأول أكمل من الثاني.
وكذلك إذا عرضنا على العقول موجودين من المخلوقين أو مطلقاً أحدهما يقدر على الذهاب والمجيء والتصرف بنفسه والآخر لا يمكنه ذلك لكانت العقول تقصي بأن الأول أكمل، فنفس ما به يعلم أن اتصافه بالحياة والقدرة صفات كمال، به يعلم أن اتصافه بالأفعال والأقوال الاختيارية التي تقوم به والتي يفعل بها المفعولات المباينة له صفات كمال" (١).
وكذلك مما يرد به على هذا القول ما قاله ابن القيم: "إنه لو كان الاستواء عائداً على العرش لكانت القراءة برفع العرش، ولم تكن بخفضه، فلما كانت بخفض
(١) الموافقة بين صريح العقل وصحيح النقل (٢/ ٧٣ - ١٧٥)، ط: دار الكتب.