للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهي عندنا بمنزلة {كهيعص} [مريم الآية: ١]، {حم عسق} [الشورى الآية: ١ - ٢]، {المص} [الأعراف الآية: ١].

فلو ورد علينا منها ما ورد لم نعتقد فيه تمثيلا ولا تشبيها، ولم نعرف معناه، وننكر على من تأوله ونكل علمه إلى الله، وظنَّ هؤلاء أن هذه طريقة السلف، وأنهم لم يكونوا يعرفون حقائق الأسماء والصفات ولا يفهمون معنى قوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ} [ص الآية: ٧٥]، وقوله: {وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر الآية ٦٧]، وقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥]، وأمثال ذلك من النصوص وبنوا هذا المذهب على أصلين.

أحدهما: أن هذه النصوص من المتشابه.

والثاني: أن للمتشابه تأويلا لا يعلمه إلا الله.

فنتج من هذين الأصلين استجهال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وسائر الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأنهم كانوا يقرأون {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: ٥]، و {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: ٦٤].، ويروون "ينزل ربُّنا كل ليلة إلى سماء الدُّنيا" ولا يعرفون معنى ذلك، ولا ما أُريد به، ولازم قولهم أن الرسول كان يتكلم بذلك ولا يعلم معناه".

ولا شك أن دعوى كون طريقة السلف هي مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك- بمنزلة الأمِّيِّين الذين قال الله فيهم: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ} - هي دعوى باطلة وفيها من القدح في الدِّين وفي حق الرسول صلى الله عليه وسلم والطعن في السابقين الأولين واستجهالهم واستبلاههم، واعتقاد أنهم كانوا قوما أمِّيِّين بمنزلة الصالحين من العامة، لم يتبحَّروا في حقائق العلم بالله،

<<  <  ج: ص:  >  >>