للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[لكن] لم يفرقوا بين معنى الكلام وتفسيره، وبين التأويل الذي انفرد الله تعالى بعمله، وظنوا أن التأويل [المذكور] في كلام الله تعالى هو التأويل المذكور في كلام المتأخرين، وغلطوا في ذلك" (١).

فمن الافتراءات التي أُلصقت بمذهب السلف أهل السنة والجماعة، أنهم يؤمنون بألفاظٍ مجرَّدة دون التطرق للمعاني، وهو ما يسميه من ينسبه إليهم مذهب التفويض، واستدلوا لذلك بقول أكثر من واحد من أئمة السلف في نصوص الصفات: ((أمروها كما جاءت))، وهم إنما نفوا العلم بالكيفية، ولم ينفوا حقيقة الصّفة.

وهذا الزعم فيه تجهيل للسلف، واتهام لهم بعدم العلم، وحقيقة الأمر أن السلف كانوا أعظم الناس فهما وتدبراً للنصوص الشرعية، وبخاصة ما يتعلق منها بمعرفة الله -عز وجل-، يؤمنون بألفاظها، ويعرفون معانيها، لكن لم يكونوا يتكلفون ما لم يحيطوا به علماً ولا فهما، ولا يخوضون في كيفية ذات الله -عز وجل- وصفاته.

فالسلف يؤمنون بأسماء الله وصفاته، وبما دلت عليه من المعاني والأحكام، أما كيفيتها فيفوضون علمها إلى الله.

وهم برآء مما اتهمهم به المعطلة الذين زعموا أن السلف يؤمنون، بألفاظ نصوص الأسماء والصفات، ويفوضون معانيها.

فإنهم كانوا أعظم الناس فهما وتدبرًا لآيات الكتاب وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، خاصة فيما يتعلق بمعرفة الله تعالى، فكانوا يدرون معاني ما يقرأون ويحملون من العلم، ولكنهم لم يكونوا يتكلفون الفهم للغيب المحجوب، فلم يكونوا يخوضون في كيفيات الصفات شأن أهل الكلام والبدع، فإنهم حين خاضوا في ذات الله وصفاته


(١) ((الحموية)) (ص ٣٦ - ٤٠)، و ((ضمن مجموع الفتاوى)) (٥/ ٣١ - ٣٥)، وانظر أيضاً ((الصواعق المرسلة)) (٢/ ٤١٨ - ٤٢٤) ((النفائس)) (ص ١٠٥ - ١٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>