للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الندب إلى الخير والبر والفضل، والدليل على ذلك إجماع العلماء على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده، وإذا جاز أن يخرج جميع ولده من ماله؛ جاز أن يخرج من ذلك بعضهم.

واحتج من يقول أن للأب أن يرجع فيما وهب لابنه بقوله: "فارجعه" وهو موضع قد اختلف فيه الفقهاء، وقد مَرَّ الكلام فيه مستقصًى.

ص: قال أبو جعفر -رحمه الله-: فذهب قوم إلى أن الرجل إذا نحل بعض بنيه دون بعض؛ أن ذلك باطل، واحتجوا في ذلك بهذا الحديث، وقالوا: قد كان النعمان في وقت ما نحله أبوه صغيرًا، فكان أبوه قابضًا له لصغره عن القبض لنفسه، فلما قال: النبي -عليه السلام-: "اردده" بعد ما كان في حكم ما قبض، دَلّ هذا أن النحلى من الوالد لبعض ولده دون بعض لا يملكه المنحول ولا تنعقد له عليه هبة.

ش: أراد بالقوم هؤلاء: طاوس بن كيسان وعطاء بن أبي رباح ومجاهدًا وعروة وابن جريج والنخعي والشعبي وابن شبرمة وابن أبي داود وأحمد وإسحاق وداود وسائر أهل الظاهر.

قال أبو عمر: اختلف في ذلك عن أحمد، وأصح شيء عنه في ذلك ما ذكره الخرقي في "مختصره" قال: وإذا فضل بعض ولده في العطية، أُمِرَ برده كما أمر النبي -عليه السلام-، فإن مات ولم يرده فقد ثبت لمن وهب له إذا كان ذلك في صحته.

وقال طاوس: لا يجوز لأحد أن يفضل بعض ولده على بعض، فإن فعل لم ينفذ وفسخ، وبه قال أهل الظاهر منهم داود وغيره، وروي عن أحمد مثله، وحجتهم في ذلك حديث مالك عن ابن شهاب المذكور.

وقال ابن حزم في "المحلى" (١): ولا يحل لأحد أن يهب ولا أن يتصدق على أحد من ولده حتى يعطي أو يتصدق على كل واحدٍ منهم بمثل ذلك، ولا يحل أن يفضل


(١) "المحلى" (٩/ ١٤٢) باختصار.

<<  <  ج: ص:  >  >>