للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك الرجل الذي قتل عبده عمدًا بمائة، كما جاء في حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: "أن رجلًا قتل عبده عمدًا، فجلده النبي -عليه السلام- مائةً، ونفاه سنةً، ومحى اسمه من المسلمين وأمره أن يعتق رقبةً".

فهذا بالاتفاق بين الخصوم لم يكن حدًّا له لا ينبغي تركه، وإنما كان لزيادة التنكيل لأجل الدعارة، وقد مرَّ الحديث والكلام فيه في باب: حد البكر.

فإن قيل: روى البخاري (١): عن عبد الله بن يوسف، عن الليث، عن يزيد ابن أبي حبيب، عن بكير بن عبد الله، عن سليمان بن يسار، عن عبد الرحمن، عن عبد الله بن أبي بردة، عن أبي موسى قال: "كان رسول الله -عليه السلام- يقول: لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله"، فكيف يجوز التعزير بمائة أو ما فوق العشر؟!

قلت: هذا معناه في حق من يرتدع بالردع، ويؤثر فيه أدنى الزجر، كأشراف الناس وأشراف أشرافهم، وأما السفلة وأسقاط الناس فلا يؤثر فيهم عشر جلدات ولا عشرون، فيعزرهم الإمام بحسب ما يراه، ألا ترى إلى ما روي عن سعيد بن المسيب والزهري، قالا: "إن عمر - رضي الله عنه - ضرب رجلًا -دون المائة- وجد مع امرأة بعد العتمة" (٢)، وروى سفيان بن عيينة، عن جامع، عن شقيق قال: "كان لرجل على أم سلمة أم المؤمنين حق، فكتب إليها فحرَّج عليها، فأمر عمر - رضي الله عنه - بأن يجلد ثلاثين سوطًا" (٢).

وعن هذا قال أصحابنا: التعزير على أربع مراتب: تعزير الأشراف: وهم الدهاقين والقواد، وتعزير أشراف الأشراف: وهم الفقهاء والعلوية، وتعزير الأوساط: وهم السوقة، وتعزير الأحساء: وهم السِّفلة.

فتعزير أشراف الأشراف بالإعلام المجرد، وهو أن يبعث القاضي أمينه فيقول له: بلغني أنك تفعل كذا وكذا.


(١) "صحيح البخاري" (٦/ ٢٥١٢ رقم ٦٤٥٦).
(٢) انظر "المحلى" (١١/ ٤٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>