أيوب موضع يده نبتغي بذلك البركة، وقد ذكر أن هذا البيت الذي لأبي أيوب بناه له عليه الصلاة والسلام تبع الأول ابن حسان الحميري، وكان ممن تدين بالزبور وبين موته ومولد النبي صلى الله عليه وسلم ألف سنة لما مر بالمدينة، روى ابن عساكر أنه قدم مكة وكسى الكعبة وخرج إلى يثرب وكان في مائة ألف وثلاثين ألفًا من الفرسان ومائة ألف وثلاثة عشر ألفًا من الرجالة، ولما نزلها جمع أربعمائة رجل من الحكماء والعلماء وتبايعوا أن لا يخرجوا منها، فسألهم عن الحكمة في مقامهم، فقالوا إن شرف البيت وشرف هذه البلدة بهذا الرجل الذي يخرج يقال له محمد صلى الله عليه وسلم، فأراد تبع أن يقيم وأمر ببناء أربعمائة دار لكل رجل دار، واشترى لكل منهم جارية وأعتقها وزوجها منه وأعطاهم عطاء جزيلاً، وأمرهم بالإقامة إلى وقت خروجه، وكتب كتابًا للنبي صلى الله عليه وسلم فيه إسلامه، ومنه شهدت على أحمد أنه رسول من الله بارئ النسم، فلو مد عمري إلى عمره لكنت وزيرًا له وابن عم، ودفع الكتاب إلى عالم عظيم وأمره أن يدفعه إلى محمد صلى الله عليه وسلم إن أدركه، وإلا فمن أدركه من ولد ولده أبدًا إلى حين خروجه، فتداول الدار التي بنى تبع للنبي صلى الله عليه وسلم لينزلها إذا قدم المدينة الأملاك إلى أن وصلت إلى أبي أيوب، وهو من ولد ذلك العالم الذي دفع إليه الكتاب، ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلوا إليه كتاب تبع مع أبي ليلى، فلما رأه صلى الله عليه وسلم قال له أنت أبو ليلى، ومعه كتاب تبع الأول، وقال وأهل المدينة الذين نصروه عليه وسلم من ولد أولئك العلماء، فعلى هذا فالمصطفى صلى الله عليه وسلم إنما نزل في منزل نفسه لا في منزل غيره، وفرح أهل المدينة بقدومه صلى الله عليه وسلم، وأشرقت المدينة بحلوله فيها، وصعدت ذات الخدور على الأجاجير، بجيمين جمع أجار، وفي لغة الأناجير بالنون، وهي السطوح، عند قدومه عليه السلام يهنئنه ويقلن:
(طلع البدر علينا من ثنيات الوداع ... وجب الشكر علينا ما دعا لله داع)