قال القسطلاني في المواهب أنشئ هذا الشعر عند قدومه عليه السلام المدينة، رواه البيهقي، وأبو بكر المقري، بضم الميم وسكون القاف كما في الزرقاني عن ابن عائشة، وذكره الطبري، وقال خرجه الحلواني. انتهى، وسميت ثنية الوداع لأنه عليه السلام ودعه بها بعض المقيمين بالمدينة في بعض أسفاره، يعني غزوة تبوك كما في الزرقاني، أيضًا فودعه عندها وهذان يعطيان أن التسمية حادثة وقيل لأن المسافر من المدينة كان يشيع إليها ويودع عندها قديمًا، فدل على أنه اسم قديم، وقال ابن بطال سميت بذلك لأنهم كانوا يشيعون الحاج إليها، ويودعونه عندها، وإليها يخرجون عند التلقي، قال شيخ الإسلام الولي ابن العراقي وهذا كله مردود، ففي صحيح البخاري وسنن أبي داوود والترمذي عن السائب بن يزيد قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك خرج الناس كلهم يتلقونه من ثنية الوداع، وهذا صريح في أنها من جهة الشام لا من جهة مكة، قال ولهذا قال والدي عبد الرحيم في شرح الترمذي كلام ابن بطال، وهم وكلام ابن عائشة معضل لا تقوم به حجة انتهى.
ونحوه في الفتح كما للزرقاني، قال القسطلاني وسبقه إلى ذلك ابن القيم، أي في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد، فقال هذا وهم؛ لأن ثنية الوداع إنما هي من ناحية الشام لا يراها القادم من مكة، ولا يمر بها إلا إذا توجه إلى الشام، وإنما وقع ذلك عند قدومه من تبوك، لكن قال ابن العراقي ويحتمل أن تكون الثنية التي من كل جهة يصل إليها المشيعون يسمونها ثنية الوداع، انتهى. قال الزرقاني قال الخميس يشبه إن هذا هو الحق، ويؤيده جميع الثنيات، قال ولا مانع من تعدد وقوع هذا الشعر مرة عند الهجرة، ومرة عند قدومه من تبوك، فلا ينافي ما في البخاري وغيره، ولما بركت الناقة على باب أبي أيوب خرج جوار من بني النجار يضربن بالدفوف ويقلن: