ساعة من نهار، وقد عادت حرمتها الآن كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب ثم قال يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا خير أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت. قال اذهبوا فأنتم الطلقاء بضم الطاء وفتح اللام وقاف أي الذين أطلقوا فلم يقترفوا ولم يسترقوا والطليق الأسير إذا أطلق والمراد بالساعة التي أحلت له عليه السلام من طلوع الشمس إلى العصر قوله إن الله حرم مكة أي أظهر تحريمها للملائكة وإن لم توجد يومئذ لكن أرضها موجودة إذ هي أول ما وجد من الأرض فتحريمها أمر قديم وشريعة سالفة ولا ينافيه ما في مسلم أن غبراهيم حرم مكة فإن إسناد التحريم إليه من حيث أنه بلغه ويسفك بكسر الفاء وقد تضم وهما لغتان والسفك صب الدم ويعضد بفتح التحتية وكسر المعجمة أي يقطع بالمعضد وهو آلة كالفاس قال الحافظ والمأذون له فيه القتال لا قطع الشجر وذكر الواقدي أنه قبض مفتاح السقاية من العباس ومفتاح البيت من عثمان، وروى ابن أبي شيبة انه أتى بدلو من زمزم فغسل منها وجهه ما تقع منه قطرة إلا في يد إنسان إن كانت قدر ما يحسوها حساها وإلا مسح جلده والمشركون ينظرون، فقالوا ما رأينا ملكاً قط أعظم من اليوم. قال في المواهب وقد أجاد العلامة الشقراطسي حيث يقول في قصيدته المشهورة:
(ويوم مكة إذ أشرفت في أمم ... تضيق عنها فجاج الوعث والسهل)
(خوافق ضاق ذرع الخافقين بها ... في قاتم من عجاج الخيل والإبل)
(وجعفل قذف الأرجاء ذي لجب ... عرمرم كجناح الليل منسجل)
(وأنت صلى عليك الله تقدمهم ... في بهو إشراق نور منك مكتمل)
(ينير فوق أغر الوجه منتجب ... متوج بعزيز النصر مقتبل)
(بسمو أمام جنود الله مرتياً ... ثوب الوقار لأمر الله ممتثل)
(خشعت تحت بهاء العز حين سمت ... بك المهابة فعل الخاضع الوجل)
(وقد تباشر أملاك السماء بما ... ملكت إذ نلت منه غاية الأمل)
(والأرض ترجف من زهو ومن فرق ... والجو يزهر إشراقاً من الجذل)
(والخيل تختال زهواً في أعنتها ... والعيس تنثال رهواً في ثنى الجدل)
(لولا الذي خطت الأقلام من قدر ... وسائق من قضاء غير ذي حول)