البلاد وهي دار النسك ومتعبد الخلق وقد جعلها الله تعالى حرماً سواء العاكف فيه والبادي انظر فتح الباري والمواهب وشرحها، وأقام صلى الله تعالى عليه وسلم بمكة بعد فتحها تسع عشرة وروي خمس عشرة ليلة وهو يقصر الصلاة لأنه لم ينو إقامة، قال الكلاعي ومما قيل من الشعر في فتح مكة قول حسان، وذكر ابن هشام أنه قالها قبله:
(عفت ذات الأصابع فالجواء ... إلى عذراء منزلها خلاء)
(ديار من بني الحسحاس قفر ... تعفتها الروامس والسماء)
(وكانت لا يزال بها أنيس ... خلال مروجها نعم وشاء)
(فدع هذا ولكن من لطيف ... يؤرقني إذا ذهب العشاء)
(بشعثاء التي قد تيمته ... فليس لقلبه منها شفاء)
(كأن سبيئة من بيت راس ... يكون مزاجها عسل وماء)
(إذا ما الاشربات ذكرن يوماً ... فهن لطيب الراح الفداء)
(نوليها الملامة أن ألمنا ... إذا ما كان مغث أو لحاء)
(ونشربها فتتركنا ملوكاً وأسداً ما ينهنهنا اللقاء)
(عدمنا خليلنا إن لم تروها ... تثير النقع موعدها كداء)
(ينازعن الأعنة مصغيات ... على أكتافها الأسل الظماء)
(تظل جيادنا متمطرات ... تلطمن بالخمر النساء)
(فإما تعرضوا عنا اعتمرنا ... وكان الفتح وانكشف الغطاء)
(وإلا فاصبروا لجلاد يوم ... يعز الله فيه من يشاء)
(وجبريل رسول الله فينا ... وروح القدس ليس له كفاء)
(وقال الله قد أرسلت عبداً ... يقول الحق أن نفع البلاء)
(شهدت به فقوموا صدقوه ... فقلتم لا نقوم ولا نشاء)
(وقال الله قد يسرت جنداً ... هم الأنصار عرضتها اللقاء)
(لنا في كل يوم من معد ... سباء أو قتال أو هجاء)
(فنحكم بالقوافي من هجانا ... ونضرب حين تختلط الدماء)
(ألا أبلغ أبا سفيان عني ... مغلغلة فقد برح الخفاء)
(بأن سيوفنا تركتك عبداً ... وعبد الدار سادتها الإماء)
(هجوت محمداً فأجبت عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء)
(أتجهوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء)