فنونها، واستنبطوا عيونها، ودخلوا من كل باب من أبوابها، وعلوا صرحاً لبلوغ أسبابها، وتقاولوا في القل والكثير، وتساجلوا في النظم والنثير، فما راعهم إلا رسول كريم بكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. أحكمت آياته، وفصلت كلماته، وبهرت بلاغته العقول، وظهرت فصاحته على كل مقول، وتظافر إيجازه وإعجازه، وتظاهرت حقيقته ومجازه، وهم أفسح ما كانوا في هذا الباب مجالاً، وأشهد في الخطابة رجالاً، وأكثر في السجع والشعر سجالاً، وأوسع في الغريب واللغة مقالاً، بلغتهم التي بها يتحاورون، ومنازعهم التي عنها يتناضلون، صارخاً بهم في كل حين، ومقرعاً لهم بضعاً وعشرين عاماً على رؤوس الملأ أجمعين، أم يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدها فاتوا بسورة من مثله إلى قوله ولن تفعلوا انتهى. المراد منه قوله وتظافر إيجازه وإعجازه، بالظاء المشالة كما في النسخ المصححة أي تعاون وتصحف على الدلجي فقال إنه بالضاد ومقرعاً بفتح القاف وكسر الراء المشددة أي موبخاً قاله ابن سلطان. (فعند ذاك أمر القرآن أن تضرب الأعناق والبنان) الإشارة راجعة إلى اتضاح صدق رسول الله، صلى الله تعالى عليه وسلم، بالآيات الدالة على تصديقه وتضرب بالبناء للمجهول ونائبه الأعناق جمع عنق وهو الجيد والبنان قيل هي المفاصل وقيل الأصابع ومعنى كلامه أنه، صلى الله تعالى عليه وسلم، أقام بمكة بعد بعثته ثلاث عشرة لم يشتغل إلا بتقدير أدلة ما أوتي به من توحيد الله وإرساله هو إليهم وترديد ذلك في المحافل عليهم وإقامة البراهين لديهم فأتاهم بما لا يعده البشر من المعجزات التي لم تبق معها شبهة لمنصف ولا معاند فلما اتضحت لهم رسالته وصدقه، صلى الله تعالى عليه وسلم، وكذبوه عناداً أمره الله تعالى بالهجرة والسيف فقام بما أمره الله تعالى به وجاهدهم أشد الجهاد فقتل الرجال وسبي النساء والأولاد ودوخ البلاد وشهر الإسلام وكسر الأصنام، جزاه الله عنا أفضل ما جازى به