للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وهذا فقه عظيم يبيّن فضل التوكل ومنزلته، وأنه مقام عالٍ من مقامات الدين، وليس منزلة من منازل العوام، وقد شرح هذا المعنى ابن القيم رحمه اللَّه شرحا جميلا فقال: "العبد لا بد له من غاية مطلوبة، ووسيلة موصلة إلى تلك الغاية؛ فأشرف غاياته التي لا غاية له أجلُّ منها عبادة ربه والإنابة إليه، وأعظم وسائله التي لا وسيلة له غيرها ألبتة التوكل على اللَّه والاستعانة به، ولا سبيل له إلى هذه الغاية إلا بهذه الوسيلة، فهذه أشرف الغايات وتلك أشرف الوسائل" (١)، وقال: "التوكل أصل لجميع مقامات الإيمان والإحسان، ولجميع أعمال الإسلام، وأن منزلته منها منزلة الجسد من الرأس، فكما لا يقوم الرأس إلا على البدن، فكذلك لا يقوم الإيمان ومقاماته وأعماله إلا على ساق التوكل واللَّه أعلم" (٢)، ومنها: ما ورد من حصول بعض المقاصد في الدنيا للمتوكَّل؛ فإن المتوكِّل يحصل له الغنى والعز كما في أثر الحسن، ومنه احتياج الأمراء للمتوكل دون العكس كما في أثر سليمان الخواص، واندفاع المكروه عنه لا سيما ما كان من أذى الجن كما في أثر بعيم العجلي، وابن الورد، وكل هذا تأكيد لما سبق من أن التوكل سبب لكفاية اللَّه للعبد (٣)، ومنها: أنه يذهب الطيرة التي يجدها ولا


(١) طريق الهجرتين (٣٨٧).
(٢) المصدر السابق (٣٨٧)، وانظر رسالة في تحقيق التوكل (٩١)، والفتاوى الكبرى (٢/ ٣٢٥).
(٣) انظر مجموع الفتاوى (١٠/ ٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>