للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بد كل أحد من نفسه، كما في أثر ابن مسعود -رضي اللَّه عنه-، ووجه ذلك أن: "الطيرة إنما تصيب المتطير لشركه، والخوف دائما مع الشرك، والأمن دائما مع التوحيد. . . فالتوحيد من أقوى أسباب الأمن من المخاوف، والشرك من أعظم أسباب حصول المخاوف، ولذلك من خاف شيئا غير اللَّه سُلِّط عليه، وكان خوفه منه هو سبب تسليطه عليه، ولو خاف اللَّه دونه ولم يخفه لكان عدم خوفه منه وتوكله على اللَّه من أعظم أسباب نجاته منه" (١).

وأما تعريفه فقد وردت آثار مختلفة العبارة فمنها: أنه الثقة باللَّه، أو الرضا عنه، وعدم التسخط، أو حسن الظن به، أو أنه يأتي بعد بلوغ غاية الزهد، قال ابن القيم رحمه اللَّه: "وحقيقة الأمر: أن التوكل حال مركبة من مجموع أمور لا تتم حقيقة التوكل إلا بها، وكلٌّ أشار إلى واحد من هذه الأمور أو اثنين أو أكثر" (٢)، ثم ذكر الأمور التي يتركب منها التوكل وهي: "فأول ذلك معرفة بالرب وصفاته. . . فكل من كان باللَّه وصفاته أعلم وأعرف كان توكله أصح وأقوى، الدرجة الثانية: إثبات في الأسباب والمسببات فإن من نفاها فتوكله مدخول. . . ولكن من تمام التوكل عدم الركون إلى الأسباب، وقطع علاقة القلب بها، فيكون حال قلبه قيامه باللَّه لا بها، وحال بدنه قيامه بها، فالأسباب محل حكمة اللَّه وأمره ودينه، والتوكل متعلق بربوبيته وقضائه وقدره، فلا تقوم عبودية الأسباب إلا


(١) مفتاح دار السعادة (٣/ ٣٨٧).
(٢) مدارج السالكين (٢٥/ ١٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>