للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

انتقل منها إلى درجة الرضى، وهي ثمرة التوكل، ومن فسر التوكل بها فإنما فسره بأجل نمراته وأعظم فوائده. . . فباستكمال هذه الدرجات الثمان يستكمل العبد مقام التوكل وتثبت قدمه فيه" (١).

وأما التوكل واتخاذ الأسباب فهي من أجل العلاقات وأمتن التلازمات، فقد سبق ذكره في درجات التوكل التي لا يتم إلا بها مجتمعة، وأن من نفاها فإن توكله مدخول، وقد تضمن أثر عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- بيانا شافيا للفرق بين التوكل والاتكال حيث بيّن أن التوكل مقارن للأسباب وضرب لذلك مثلا بأن المتوكل هو الذي يلقي الحبة ويتوكل، أما الجالس فهو متَّكِل لا متَوَكِّل، وهذا هو الأصل الذي لا شك فيه، وأما ما ورد من الآثار التي قد تدل على ترك الأسباب، كأثر أبي سليمان لو حققنا التوكل ما بنينا حائطا. . .، وأثر أبي جعفر في سوق الرزق للمتوكل بلا تعب ولا تكلف، ونصيحة العابد للبراثي في أن المتوكل يريح جسده من طلب الرزق، ويقل همه، وعدم اكتراث أبي فروة الزاهد بإبطاء الرزق ولا بسرعته، فإن هذه الآثار ليس فيها ترك اتخاذ الأسباب فضلا عن استحبابه، لكن في بعضها إيهام لشيء من ذلك، وكلما تأخر العهد عن زمن النبوة قلَّ الصواب فعلا وقولا، قال ابن القيم: "أجمع القوم على أن التوكل لا ينافي القيام بالأسباب؛ فلا يصح التوكل إلا مع القيام بها،


(١) مدارج السالكين (٢/ ١٢٣ - ١٢٩)، وانظر جامع العلوم والحكم (١/ ٤٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>