للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإلا فهو بطالة وتوكل فاسد" (١)، وإنما تفيد هذه الآثار: "أن الناس إنما يؤتون من قلة تحقيق التوكل، ووقوفهم مع الأسباب الظاهرة بقلوبهم، ومساكنتهم لها؛ فلذلك يتعبون أنفسهم في الأسباب، ويجتهدون فيها غاية الاجتهاد، ولا يأتيهم إلا ما قدر لهم، فلو حققوا التوكل على اللَّه بقلوبهم لساق إليهم أرزاقهم مع أدنى سبب، كما يسوق الطير إلى أرزاقها بمجرد الغدو والرواح، وهو نوع من الطلب والسعي لكنه سعي يسير" (٢).

وقد عقد ابن القيم فصلا في كتابه الروح في الفرق بين التوكل والعجز، ردّ فيه على من عطل السبب واعتمد على التوكل بزعم أن: "الرزق يطلب صاحبه كما يطلبه أجله، وسيأتيني ما قدر لي على ضعفي، ولن أنال ما لم يقدر لي مع قوتي، ولو أني هربت من رزقي كما أهرب من الموت للحقني" فقال -رحمه اللَّه-: "فيقال له: نعم هذا كله حق، وقد علمت أن الرزق مقدر، فما يدريك كيف قُدِّر لك؟ بسعيك أم بسعي غيرك؟ وإذا كان بسعيك، فبأي سبب؟ ومن أي وجه؟ وإذا خفى عليك هذا كله، فمن أين علمت أنه يقدر لك إتيانه عفوا بلا سعي ولا كدٍّ؟ فكم من شيء سعيت فيه فقُدِّر لغيرك، وكم من شيء سعى فيه غيرك فقُدِّر لك رزقا؟ فإذا رأيت هذا عيانا، فكيف علمت أن رزقك كله بسعي غيرك؟ وأيضا فهذا الذي أوردته عليك النفس يجب عليك طرده في جميع الأسباب مع مسبباتها، حتى في أسباب دخول الجنة، والنجاة من النار، فهل تعطلها اعتمادا على التوكل؟ ! أم تقوم بها مع التوكل؟ بل لن


(١) مدارج السالكين (٢/ ١٢١).
(٢) جامع العلوم والحكم (١/ ٤٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>