للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لكن الذي وجدته أثناء البحث والدراسة لشيوخه، والآثار التي رواها عنهم، أنه على صورة مغايرة تماما -في غالبها- لهذا، فابن أبي الدنيا كان في بغداد في القرن الثالث، وهي الفترة التي برز فيها عدد من أئمة أهل السنة واحتوت على كثير من أعلامها، ومع كل هذا بل ومع حرص ابن أبي الدنيا على التأليف وجمع المادة العلمية التي يثري بها مؤلفاته، لا سيما في مثل هذه المواضيع التي لها صلة بالزهد والرقائق، وتربية النفس، فإننا نجده لا يتوجه إلى هذه الطائفة التي عرفت بتوسعها في هذا المجال، بل على العكس تماما فرغم وجود كثير من المشايخ في بلده بغداد، ومعاصرته لهم، فقد عزف عنهم ولم يرو لهم في كتبه شيئا، وهذا يفيد فائدة علمية مهمة، وهى أن ابن أبي الدنيا ليس مجرد جَمَّاعَة، وإنما هو مؤلف ينتقي مادته العلمية ويقصد إلى بيان منهج السلف في مثل هذه المسائل التي تناولها هؤلاء، فكأن لسان حاله يقول: هذا الزهد الصحيح، وهذا هو المنهج القويم فيه، وعلى هذا كان السلف، حاله في هذا حال من سبقه من مشايخه ومن سبقهم كالإمام أحمد والبرجلاني وابن المبارك وغيرهم، ولهذا تجد كثيرا من مادته العلمية تدور على هؤلاء كما سيتبين أثناء تخريج الآثار في هذه الرسالة، إضافة إلى أن أصحاب الآثار الذين روى أقوالهم هم أئمة السلف الكبار كالحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وأيوب السختياني ونحوهم، فضلا عمن سبقهم من الصحابة.

ويؤكد هذا الكلام أنك لو ألقيت نظرة عابرة على كتاب طبقات الصوفية للسلمي، لا تكاد تجد ذكرا لأصحاب الطبقتين الأولى والثانية،


= والتعجب من كثيرهم، وكانت تعليقاتهم تدور حول جدواه، بل شك كثير منهم في وجود مادة علمية تغطي بحثا أكاديميا متخصصا في العقيدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>