فاللَّه محمود على كل ما خلق؛ إذ هو رب العالمين، والحمد للَّه رب العالمين، وأما حمد الشكر فلأن ذلك كله نعمة في حق المؤمن؛ إذا اقترن بواجبه من الإحسان والنعمة، إذا اقترنت بالشكر صارت نعمة، والامتحان والبلية إذا اقترنا بالصبر كانا نعمة، والطاعة من أجل نعمه، وأما المعصية فإذا اقترنت بواجبها من التوبة، والاستغفار، والإنابة، والذل، والخضوع فقد ترتب عليها من الآثار المحمودة، والغايات المطلوبة ما هو نعمة أيضًا، وإن كان سببها مسخوطا مبغوضا للرب سبحانه، ولكنه يحب ما يترتب عليها من التوبة، والاستغفار. . .هذا بالإضافة إلى الرب سبحانه، وأما بالإضافة إلى العبد؛ فإنه قد يكون كمال عبوديته وخضوعه موقوفا على أسباب لا تحصل بدونها، فتقدير الذنب عليه إذا اتصل به التوبة، والإنابة. . .فهو عين مصلحة العبد، والاعتبار بكمال النهاية لا بنقص البداية، وإن لم يتصل به ذلك، فهذا لا يكون إلا من خبث نفسه. . . ومعلوم أن هذه النفس فيها من الشر والخبث ما فيها، فلا بد من خروج ذلك منها من القوة إلى الفعل ليترتب على ذلك الآثار المناسبة لها. . . والرب سبحانه محمود على ذلك أيضًا، كما هو محمود على إنعامه وإحسانه على أهل الإحسان. . .فحمده وحكمته تقتضي أن لا يودع نعمه وإحسانه وكنوزه في محل غير قابل لها، ولا يبقى إلا أن يقال: فما الحكمة في خلق هذه الأرواح، التي هي غير قابلة لنعمته؟ فقد تقدم من الجواب عن ذلك ما فيه كفاية، وأن خلق الأضداد، والمقابلات، وترتيب آثارها