للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العيش، وطابت له الحياة. . . وأورثته المعرفة: الحياء من اللَّه، والتعظيم له والإجلال، والمراقبة والمحبة، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والرضا به، والتسليم لأمره" (١)، ووجه هذه المعرفة التي تثمر هذا الرضا هو: "أن يعلم أن منع اللَّه سبحانه وتعالى لعبده المؤمن المحب عطاء، وابتلاءه إياه عافية، قال سفيان الثوري: منعه عطاء، وذلك أنه لم يمنع عن بخل ولا عدم، وإنما نظر في خير عبده المؤمن، فمنعه اختيار، وحسن نظر، وهذا كما قال. . . ولكن لجهل العبد وظلمه، لا يعد العطاء والنعمة والعافية إلا ما التذ به في العاجل، وكان ملائما لطبعه، ولو رزق من المعرفة حظا وافرا لعد المنع نعمة، والبلاء رحمة. . . وهذه كانت حال السلف. . . فالراضي هو الذي يعد نعم اللَّه عليه فيما يكرهه أكثر وأعظم من نعمه عليه فيما يحبه" (٢)، وقال: "من صحت له معرفة ربه، والفقه في أسمائه وصفاته، علم يقينا أن المكروهات التي تصيبه، والمحن التي تنزل به، فيها ضروب من المصالح والمنافع التي لا يحصيها علمه ولا فكرته، بل مصلحة العبد فيما يكره أعظم منها فيما يحب؛ فعامة مصالح النفوس في مكروهاتها، كما أن عامة مضارها وأسباب هلكتها في محبوباتها، فأنظر إلى غارس جنة من الجنات، خبير بالفلاحة، غرس جنة، وتعاهدها بالسقي والإصلاح، حتى أثمرت أشجارها، فأقبل عليها يفصل أوصالها، ويقطع أغصانها، لعلمه أنها لو


(١) روضة المحبين (١٠٦).
(٢) مدارج السالكين (٢/ ٢٢٤ - ٢٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>