للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خليت على حالها، لم تطب ثمرتها، فيطعمها من شجرة طيبة الثمرة، حتى إذا التحمت بها، واتحدت، وأعطت ثمرتها، أقبل يقلمها، ويقطع أغصانها الضعيفة، التي تذهب قوتها، ويذيقها ألم القطع، والحديد، لمصلحتها، وكمالها، لتصلح ثمرتها أن تكون بحضرة الملوك، ثم لا يدعها ودواعي طبعها من الشرب كل وقت، بل يعطشها وقتا، ويسقيها وقتا، ولا يترك الماء عليها دائما، وإن كان ذلك أنضر لورقها، وأسرع لنباتها، ثم يعمد إلى تلك الزينة التي زينت بها من الأوراق، فيلقى عنها كثيرا منها؛ لأن تلك الزينة تحول بين ثمرتها وبين كمال نضجها واستوائها، كما في شجر العنب ونحوه، فهو يقطع أعضاءها بالحديد، ويلقى عنها كثيرا من زينتها، وذلك عين مصلحتها فلو أنها ذات تمييز وإدراك كالحيوان، لتوهمت أن ذلك إفساد لها، وإضرار بها، وإنما هو عين مصلحتها. . . فأحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وأعلم العالمين الذي هو أرحم بعباده منهم بأنفسهم ومن آبائهم وأمهاتهم، إذا أنزل بهم ما يكرهون كان خيرا لهم من أن لا ينزله. . ولو مكنوا من الاختيار لأنفسهم لعجزوا عن القيام بمصالحهم، علما وإرادة وعملا، لكنه سبحانه تولى تدبير أمورهم، بموجب علمه، وحكمته، ورحمته، أحبوا أم كرهوا، فعرف ذلك الموقنون بأسمائه وصفاته، فلم يتهموه في شيء من أحكامه، وخفى ذلك على الجهال به، وبأسمائه، وصفاته. . . ومتى ظفر العبد بهذه المعرفة سكن في الدنيا قبل الآخرة، في جنة لا يشبه فيها إلا نعيم الآخرة. . . وهذا الرضا هو بحسب معرفته بعدل

<<  <  ج: ص:  >  >>