وإنما هو عزم على الرضا، وإنما الرضا ما يكون بعد القضاء، وإن كان هذا عزما، فالعزم قد يدوم، وقد ينفسخ، وما أكثر انفساخ العزائم، خصوصا عزائم الصوفية. . . ومثل هذا ما يذكرونه عن سمنون المحب، أنه كان يقول: وليس في سواك حظ، فكيفما شئت فاختبرني، فأخذه العسر من ساعته، أي حصر بوله، فكان يدور على المكاتب، ويفرق الجوز على الصبيان، ويقول: ادعوا لعمكم الكذاب" (١).
وهنا لطيفة يجب التنبه لها وهي أن العزم على الرضا منوط بالشرع فلا يجوز العزم على الرضا بما لم يشرع للمرء الرضا به، وقد أوفى ابن القيم رحمه اللَّه هذا المقام حقه في مدارج السالكين فقال: "وأما رضاه بمراده منه وإن عذبه: فهذا هو الرعونة كل الرعونة؛ فإن مراده سبحانه نوعان: مراد يحبه ويرضاه؛ ويمدح فاعله ويواليه؛ فموافقته في هذا المراد هي عين محبته، وإرادة خلافه رعونةٌ ومعارضةٌ واعتراضٌ، ومراد يبغضه ويكرهه، ويمقت فاعله ويعاديه، فموافقته في هذا المراد عين مشاقته ومعاداته ومخالفته والتعرض لمقته وسخطه، فهذا الموضع موضع فرقان، فالموافقة كل الموافقة معارضة هذا المراد واعتراضه بالدفع والرد بالمراد الآخر، فالعبودية الحق: معارضة مراده بمراده، ومزاحمة أحكامه بأحكامه، فاستسلامه لهذا المراد المكروه المسخوط وما يوجبه ويقتضيه عين الرعونة، والخروج عن العبودية، وهو عين الدعوى الكاذبة؛ إذ لو كان مصدر ذلك
(١) مجموع الفتاوى (٦٩١ - ٦٩٣) بتصرف، وانظر تيسير العزيز الحميد (٥٢٤).