في الإيمان باعتبار الأعمال، لأن المحظور من تزكية النفس هذا مربط فرسه، فإذا اعترف بالتقصير في العمل، ولم يجزم بدخول الجنة، وإنما علَّقها بالمشيئة والرجاء، فهو معنى قول السلف أنا مؤمن إن شاء اللَّه، بل ومعنى قوله هو -رضي اللَّه عنه- أن الذي قال: أنا مؤمن، لزمه أن يقول إنه في الجنة، وإذا استثنى في الأخيرة تعيّن عليه الاستثناء في الأولى، ولعل ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- رأى أن هذا التفصيل يخرجه من كل إشكال، فجزم بالإيمان القلبي، ووكل علم حاله إلى اللَّه، وخاف ذنوبه، قال شيخ الإسلام:"الرجل يعلم من نفسه أنه ليس بكافر، بل يجد قلبه مصدقا بما جاء به الرسول، فيقول: أنا مؤمن، فيثبت أن الإيمان هو التصديق؛ لأنك تجزم بأنك مؤمن، ولا تجزم بأنك فعلت كل ما أمرت به"(١).
وعلى هذا فلا يكون بين قولي ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- تعارضا، بل يحمل قوله على التفصيل المعروف عن السلف، وهو جواز الاستثناء باعتبار، وعدمه باعتبار آخر، فهذه حقيقة قوله -رضي اللَّه عنه- وليس ذلك اختلافًا كما قد يتبادر للقارئ، وهذا ما رجحه أبو عبيد القاسم بن سلام:"وهذا عندي وجه حديث عبد اللَّه حيث أتاه صاحب معاذ فقال: "ألم تعلم أن الناس كانوا على عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ثلاثة أصناف: مؤمن، ومنافق، وكافر، فمن أيهم كنت؟ قال: من المؤمنين"، إنما نراه أراد أني كنت من أهل هذا الدين لا من الآخرين، فأما الشهادة بها عند اللَّه فإنه كان عندنا أعلم باللَّه