للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لكن هذا لا يعني أنها طاعة مطلقة، بل هي مقيّدة بأن لا تكون طاعة في معصية اللَّه؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وهذا ما تضمنته الآثار الواردة في المطلب الثاني، حيث بيّن ابن عباس -رضي اللَّه عنه- لمن سأله عن طاعة الأمير إذا أمره بمعصية، فأجابه بأنه يتعين عليه أن يكون حينئذ رجلا ولا يطيعه، ونهاه قبل ذلك أن يقوم إليه فيأمره وينهاه لكى لا يكون له فتنة، وهكذا فعل الصحابة مع أمراء الجور والظلم، الذين كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها، كالحجاج والوليد بن عبد الملك، فلم يتركوا الصلاة وراءهم بسبب هذه المعصية، وذكر بعضهم أنه يأتي زمان على الرجل لا يستطيع من الإنكار إلا أن يعلم اللَّه من قلبه أنه كاره.

هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، نصوا عليها في مختلف كتبهم، بل جسّدوها في مواقف عملية في حياتهم، وأمروا بها غيرهم، وناظروا عليها مخالفيهم، قال أبو الحسن الأشعري: "أجمعوا على السمع والطاعة لأئمة المسلمين" (١)، وقال ابن قدامة: "من السنة السمع والطاعة لأئمة المسلمين، وأمراء المؤمنين، برهم وفاجرهم، ما لم يأمر بمعصية اللَّه؛ فإنه لا طاعة لأحد في معصية اللَّه" (٢)، وقال ابن تيمية: "طاعة ولاة الأمور ومناصحتهم واجب على الإنسان وإن لم يعاهدهم عليه، وإن لم يحلف لهم الأيمان المؤكدة. . . وأما أهل العلم والدين والفضل فلا يرخصون لأحد فيما نهى اللَّه عنه من معصية ولاة


(١) رسالة إلى أهل الثغر (٢٩٦).
(٢) لمعة الاعتقاد (١٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>