للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يستحسن واحد منهم الزمانة في الأجسام، بل استعاذوا بالله منها، وكأن قائل هذا القول صدر منه من غير تأمل، وغره قول أهل اللغة: إن الفقير: المكسور الفقار؛ وإنما أرادوا تشبيهه بمن انكسر فقاره، ولم يريدوا أنه مكسور على الحقيقة. وما روي عن مجاهد والزهري من أن الفقير: الذي لا يسأل، والمسكين: الذي يسأل، غلط أيضاً، يبطله ما تقدم؛ فلا وجه لاعتباره: الصحة والزمانة، والسؤال وغير السؤال في الفرق بينهما، وإنما ينبغي أن يعتبر أيهما أحسن أو أسوأ حالاً، وهو أمر تنازع فيه الناس، فقال قوم: الفقير أحسن حالاً من المسكين، وهو أحد قولي الشافعي، وبه قال أكثر المالكية، وممن ذهب إليه يونس بن حبيب، ويعقوب، وابن قتيبة، قالوا: الفقير: الذي له البلغة من العيش، واحتجوا ببيت الراعي:

أما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال فلم يترك له سبد

فجعل له حلوبة، وجعلها وفقاً لعياله، أي: قوتاً لا فضل فيه، واحتجوا على أن المسكين الذي لا شيء له بقوله تعالى: {أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ (١٦)} أي: قد لصق بالتراب، واحتجوا بأنه مشتق من السكون، وأنه بني على زنة "مفعيل" للمبالغة، أرادوا أنه قد حل محل الميت الذي لا حراك له.

واحتج يونس بأن قال: قلت لأعرابي: أفقير أنت؟ قال: لا والله، بل

<<  <  ج: ص:  >  >>