[١٦ - ما توجبه الشروط المذكورة على أهل العلم من التمييز]
قلت: وليس يخفى على الفَطِن اللبيب أن هذه الشروط توجب على أهل العلم والمعرفة بصحيح الحديث وسقيمه أن يميزوا للناس شيئين هامين:
الأول: الأحاديث الضعيفة من الصحيحة، لكي لا يعتقد العاملون بها ثبوتها، فيقعوا في آفة الكذب على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما تقدم في كلام الإمام مسلم وغيره.
والآخر: الأحاديث الشديدة الضعف من غيرها؛ لكي لا يعملوا بها، فيقعوا في الآفة المذكورة.
والحق -والحقَّ أقول-: إنّ القليل من علماء الحديث -فضلاً عن غيرهم- من له عناية تامة -بالتمييز الأول، كالحافظ المنذري- على تساهله المتقدم بيانه- والحافظ ابن حجر العسقلاني في كتبه، وتلميذه الحافظ السخاوي في كتابه:"المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة"، وغيرهم. وفي عصرنا هذا الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- في تحقيقه وتعليقه على "مسند الإمام أحمد" وغيره، ومثله اليوم أقل من القليل.
وأقل من هؤلاء بكثير من له عناية تامة بتمييز الأحاديث الضعيفة جداً من غيرها، بل إني لا أعلم من له تخصص في هذا المجال، مع كونه من الأمور الهامة كما بينته آنفاً، وهو عندي أهم من عنايتهم بتمييز الحديث الحسن من الصحيح، مع أنه ليس تحته كبير فائدة، لأن كلاَّ منهما يُحْتَجُّ به في الأحكام كما سبق، اللهم إلا عند التعارض والترجيح، بخلاف ما نحن فيه، فإنه يُعمَل بالحديث الضعيف في الفضائل؛ دون الضعيف جداً، فبيانه واجب من باب أولى.