يقتضي أنه يكفِّر السنة التي قبلها، فهو أمر زائد على مطلق المشروعية، ومساقه يفيد له مزية في الرتبة، وذلك راجع إلى الحكم.
فإذاً، هذا الترغيب الخاص يقتضي مرتبة في نوع من المندوب خاصة، فلا بد من رجوع إثبات الحكم إلى الأحاديث الصحيحة بناء على قولهم:"إن الأحكام لا تثبت إلا من طريق صحيح"، والبدع المستدَل عليها بغير الصحيح لا بدّ فيها من الزيادة على المشروعات، كالتقييد بزمان أو عدد أو كيفية ما، فيلزم أن تكون أحكام تلك الزيادات ثابتة بغير الصحيح، وهو أمر ناقض لما أسسه العلماء.
ولا يقال: إنهم يريدون أحكام الوجوب والتحريم فقط. لأننا نقول: هذا تحكّم من غير دليل، بل الأحكام خمسة، فكما لا يثبت الوجوب إلا بالصحيح، [فكذلك لا يثبت غيره من الأحكام الخمسة كالمستحب إلا بالصحيح](١). فإذا ثبت الحكم فاستُسْهِلَ أنْ يثبت في أحاديث الترغيب والترهيب، ولا عليك.
[٣٠ - خلاصة كلام الإمام الشاطبي]
فعلى كل تقدير:"كل ما رُغِّبَ فيه إنْ ثبت حكمه أو مرتبته في المشروعات من طريق صحيح، فالترغيب [فيه] بغير الصحيح مغتَفَر. وإن لم يثبت إلا من حديث الترغيب فاشترط الصحة أبداً، وإلا خرجت عن طريق القوم المعدودين في أهل الرسوخ. فلقد غلط في هذا المكان جماعة ممن يُنسَب إلى الفقه، ويتخصص عن العوام بدعوى رتبة الخواص. وأصل هذا الغلط عدم فهم كلام المحدِّثين في الموضعين، وبالله التوفيق".