في اعتقادي مما لا أتصوّر أن يقوله أحد من العلماء الأتقياء، لما فيه من المخالفة لما تَقدّم في كلام الإمام مسلم من نصوص الكتاب والسنة في التحذير من الرواية عن غير العدول، لا فرق في ذلك بين أحاديث الأحكام والترغيب والترهيب وغيرها، وكلام مسلم المتقدم صريح في ذلك.
٢٠ - تأثيم الإمام مسلم لمن يروي عن الضعيف ولا يبيّن حاله لو في الترغيب والترهيب
وأصرح منه قوله بعد بحث هامّ في وجوب الكشف عن معايب رواة الحديث، وذكر أقوال الأئمة في ذلك، قال (١/ ٢٩):
"وإنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار، وأفتوا بذلك لما فيه من عظيم الخطر، إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل أو تحريم، أو أمر أو نهي، أو ترغيب أو ترهيب، فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصدق والأمانة، ثم أقدم على الرواية عنه من قد عرفه، ولم يبين ما فيه لغيره ممن جهل معرفته؛ كان آثماً بفعله ذلك، غاشّاً لعوامّ المسلمين، إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار أن يستعملها أو يستعمل بعضها، ولعلها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها، مع أن الأخبار الصحاح من رواية الثقات وأهل القناعة أكثر من أن يُضطَّر إلى نقل مَن ليس بثقة، ولا أحسب كثيراً ممن يُعَرِّج من الناس على ما وصفنا من هذه الأحاديث الضعاف والأسانيد المجهولة، ويعتدّ بروايتها بعد معرفته بما فيها من التَّوَهُّن والضعف -إلا أنّ الذي يحمله على روايتها والاعتداد بها إرادة التكثّر بذلك عند العوامّ، ولأن يقال: ما أكثر ما جمع فلان من الحديث وألَّف من العدد! ومن ذهب في العلم هذا المذهب، وسلك هذا الطريق فلا نصيب له فيه، وكان بأن يسمّى جاهلاً، أولى من أنْ يُنسَب إلى علم".