قلت: هذا كله من كلام الإمام الشاطبي، وهو يلتقي تمام الالتقاء مع كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله تعالى، ومن الطرائف أن هذا مشرقي وذاك مغربي، جمع بينهما -على بعد الدار- المنهج العلمي الصحيح.
٣١ - صعوبة تمييز الضعيف الذي يجوز العمل به حديثياً وفقهياً
وبعدما عرفت أيها القارئ هذا الشرط الفقهي في جواز العمل بالحديث الضعيف، وذاك الشرط الحديثي المتقدم: أن لا يكون شديد الضعف يتبين لك أنه كان من الواجب على الحافظ المنذري أن يميز الحديث الضعيف، والضعيف جداً، والموضوع، ويعطي كل حديث من أحاديث كتابه الضعيفة مرتبته من هذه المراتب الثلاث، وأن لا يجمل القول فيها بتصديرها كلها بصيغة (رُوي)، خشية أن يبادر أحد من القراء إلى العمل ببعض الواهي والموضوع منها، فيقع في المحظور السابق بيانه ولو كان من الفقهاء.
هذا من الناحية الحديثية.
وأما من الناحية الفقهية، فليس يخفى أنه من غير الميسور تمييز الحديث الضعيف الذي يجوز العمل به، من الذي لا يجوز العمل به، إلا على المحدِّثين الفقهاء بالكتاب والسنة الصحيحة، وما أقلَّهم! ولذلك فإني أرى أن القول بالجواز بالشرطين السابقين نظري غير عملي بالنسبة إلى جماهير الناس، لأنه من أين لهم تمييز الحديث الضعيف من الضعيف جداً؟ ومن أين لهم تمييز ما يجوز العمل به منه فقهياً مما لا يجوز؟ فيرجع الأمر عملياً إلى قول ابن العربي المتقدم: أنه لا يُعمَل بالحديث الضعيف مطلقاً. وهو ظاهر قول ابن حبان: "لأن ما روى