قوله:"كصحيفة المتلمّس": هذا مثل تضربه العرب لمن حمل شيئاً لا يدري هل هو يعود عليه بنفع أو ضر، وأصله أن المتلمِّس -واسمه عبد المسيح- قدم هو وطَرفَة بن العبد على الملك عمرو بن المنذر، فأقاما عنده، فنقم عليهما أمراً، فكتب إلى بعض عماله يأمره بقتلهما، وقال لهما: إني قد كتبت لكما بصلة، فاجتازا بـ (الحِيرَة)، فأعطى المتلمس صحيفته صبياً فقرأها، فإذا فيها الأمر بقتله، فألقاها، وقال لطرفة: افعل مثل فعلي، فأبى عليه، ومضى إلى عامل الملك، فقرأها؛ وقتله.
قال الخطابي (١):
"اختلف الناس في تأويله، يعني حديث سهل، فقال بعضهم: من وجد غَداء يومِه وعشاءَه؛ لم تحل له المسألة على ظاهر الحديث. وقال بعضهم: إنما هو فيمن وجد غداء وعشاء على دائم الأوقات، فإذا كان عنده ما يكفيه لقوته المدة الطويلة، حرمت عليه المسألة. وقال آخرون: هذا منسوخ بالأحاديث التي تقدم ذكرها". يعني الأحاديث التي فيها تقدير الغنى بملك خمسين درهماً أو قيمتها، أو بملكِ أَوقية أو قيمتها.
قال الحافظ رضي الله عنه:
"ادعاء النسخ مشترك بينهما، ولا أعلم مرجحاً لأحدهما على الآخر، وقد كان الشافعي رحمه الله يقول: قد يكون الرجل بالدرهم غنياً مع كسبه، ولا يغنيه الألف مع ضعفه في نفسه وكثرة عياله.
وقد ذهب سفيان الثوري وابن المبارك والحسن بن صالح وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه إلى أن من له خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب لا يُدفع إليه شيء من الزكاة.
وكان الحسن البصري وأبو عبيد يقولان: من له أربعون درهماً فهو غني. وقال أصحاب