العلم. فلم ينقل الأخذ بشيء منها عمّن نعتدّ به في طريقة العلم، ولا طريقة السلوك.
وإنما أخذ بعض العلماء بالحديث الحسن لإلحاقه عند المحدِّثين بالصحيح، لأنّ سنده ليس فيه من يعاب بجرح متفق عليه، وكذلك أخذ من أخذ منهم بالمُرسَل؛ ليس إلا من حيث أُلحِق بالصحيح في أن المتروك ذكره كالمذكور والمعدل (١). فأمّا ما دون ذلك، فلا يُؤخَذ به بحال عند علماء الحديث.
ولو كان من شأن أهل الإسلام الأخذ من الأحاديث بكل ما جاء عن كل من جاء لم يكن لانتصابهم للتعديل أو التجريح معنى، مع أنهم قد أجمعوا على ذلك، ولا كان لطلب الإسناد معنى، فلذلك جعلوا الإسناد من الدين، ولا يعنون:"حدّثَني فلان عن فلان" مجرَّداً، بل يريدون ذلك لما تضمَّنه من معرفة الرجال الذين يحدِّث عنهم، حتى لا يسند عن مجهول، ولا مجروح، ولا متّهم، إلا عمّن تحصل الثقة بروايته؛ لأن روح المسألة أن يغلب على الظن من غير ريبة أن ذلك الحديث قد قاله النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لنعتمد عليه في الشريعة، ونسند إليه الأحكام.
والأحاديث الضعيفة لا يغلب على الظن أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالها، فلا يمكن أن يسند إليها حكم، فما ظنّك بالأحاديث المعروفة الكذب؟! نعم، الحامل على اعتمادها في الغالب إنما هو ما تقدم من الهوى المتّبَع". قال:
(١) قلت: ومع ذلك فهو مردود عند المحدثين كما بيَّنه الخطيب في "الكفاية" (ص ٣٩١ - ٣٩٧).